أصغر من مثقال ذرة وبرنامج البعث والفناء في الدنيا
برنامج البعث والفناء
العجيب في حديث القرآن الكريم عن الذرة، هو في الإخبار عن وجود مكونات داخل الذرة، أصغر بكثير من حجم الذرة المعروفة.
والتي توصل إليها العلم الحديث وتمكن من تصنيفها من خلال عناصرها في الجدول الدوري للعناصر الذرية.
بل وتمكن العلم الحديث من السيطرة عليها واستخدامها في شتى مجالات الحياة، النافع منها والضار.
حتى أصبح الكلام عن الذرة من قبيل الحديث عن الخلايا والإنسجة والأعضاء والأجهزة، التي يتكون منها الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
أصغر من مثقال ذرة وبرنامج البعث والفناء في الدنيا
والحديث عن ما هو أصغر من الذرة في محتوى الذرة والجزيئات والخلايا، في وجود المعيار الذي يمثله وزن ذرة في صورة مثقال في حجم الذرة وفي حجم الخلية.
ربما يمثل مفاجأة كبرى لأهل العلم والاختصاص، لأنه يتحدث عن غيب معلوم، يمكن دراسته بواسطة العلم الحديث وأدواته، بل وتطويعه من أجل نفع البشرية وخدمتها في التقدم والازدهار.
وإذا كانت الذرة مليئة عن آخرها بكل أسرار الخلق، فما بالنا بمقدار الأسرار، الذي تحتويه الأحجام فيما هو أصغر من حجم الذرة ووزنها، إذا كشف عنها الستار.
خاصة بما تحتويه كل منهما من الأسرار الظاهرة والباطنة، والمادية منه والمعنوية وغيرهما الكثير، مالا تدركه الأبصار ولا البصيرة إلا ماندر.
ما يعني أننا أمام سر عظيم، من أسرار الخالق الجبار، الله سبحانه وتعالى، لم يتم رفع الستارة عنه بعد، ويبدو أنه لن يحدث ذلك حتي نهاية الحياة.
والإشارة القرآنية إلى وجود رقابة دائمة وذاتية من الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته، تؤكد المتابعة الدقيقة والمسجلة بحبل ممدود، من الذرة بمكوناتها الأصغر منها والمتصلة دائمًا على مدار اللحظة والحياة بكتاب الإنسان المسجل فيه كل عمل يعمله.
مصداقًا لقوله تعالى في حديثه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: “وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” (يونس/ 61).
وما ينطبق على المؤمن في الرقابة والمتابعة الدائمة والحبل الممدود، ينطبق علي الكافر بآيات الله سبحانه وتعالى والمكذب برسالاته، والمنكر للآخرة، والمكذب بالساعة والقيامة.
مصداقًا لقوله تعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ” (سبأ/ 3).
وهذا معناه أن سر خلق الكون بما فيه من ذرات وخلايا، وسر خلق الأكوان والتي لا نعرف عنها شئ يذكر لا يملك مفاتيحها إلا الله سبحانه وتعالى.
وفي نفس الوقت يعطي للإنسان بصيص من العلم، وبصيص من الأمل والرجاء في فهم مكونات الذرة، التي بدأت بها الحياة وبها تستمر.
ومعها تصل إلى نهايتها المحتومة، دون معرفة الصورة الحقيقية أو الوقوف على مكونات الذرة الفيزيائية في المبني والمعني أو الظاهر والباطن في كل الوظائف التي جعلت منها ذرة متماسكة يبني عليها أسرار الكون وسنة الحياة.
حتي ندرك جميعا، أن قوة الله سبحانه وتعالى، وراء خلق هذه المكونات من الجسيمات الأولية داخل الذرة.
والتي تتعدي مائة وثمانية أجزاء بالإضافة إلى القوى التي تتحكم فيها، وتحافظ عليها، وتمنعها من الانهيار، بفعل برنامج البعث والفناء الذي يعمل على صيانتها وتجديد حياتها، بشكل ذاتي ومتقن ومعتبر.
فمن الماء الموجود تحت عرش الرحمن، وجدت ذرة الهيدروجين الذي خلق الله سبحانه وتعالى منه الكون.
ومن الماء خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وسائر المخلوقات، والذي يمثل فيه الهيدروجين العنصر الحاسم من أجل البقاء، ومن الماء خلق الله سبحانه وتعالى الأكسجين، الذي يحفظ حياة الإنسان وسائر الكائنات الحية على ظهر الأرض.
ويحميها من الفناء في الفترة الزمنية التي يعيشها الإنسان السيد ومعه تابعيه في الحياة. مصداقًا لقوله تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء/ 30).
تدار حياة الإنسان في الحياة، بذرة من الأكسجين، ويكون أيضًا الأكسجين سببًا في فناء ونهاية حياة الإنسان على الأرض، لأنه يمثل العنصر الحاسم، في وجود ذرة الأكسجين الحرة (3 o).
التي تدفع بالإنسان إلى العجز والشيخوخة، في خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته المختلفة، والتي تسرع من برنامج الفناء، فتفتح له الباب طريقا إلى الفناء دون أن يدري باختلال عقارب الساعة في الزمان والمكان.
فجزئ الماء فيه إعجاز هائل، فذرة الهيدروجين، لها الدور المحوري في وجود ونشأة واستمرار الكون والإنسان في الحياة.
وفي نفس الوقت فإن ذرة الأكسجين اللازمة لحياته، تعجل بنهايته وخروجه من الحياة، وهذا المعني هو الذي جعل من الماء المهيمن على الحياة، في وجود اتفاق وتوافق بين الكون والإنسان.
تؤكد حقيقة الرباط بينهما، والتي مفاداها أن أصلهما واحد، وأن ربهما واحد، وأن النور الذي ينبعان منه واحد، وهذا هوالهدف المستنبط، من خلق الكون والإنسان من الماء.
وهذا هو السر المكنون، المنبثق من تشابه الأصل، في الإيجاد والعدم، وفي الخلق والفناء بين الكون والإنسان.
ما يؤكد قوة الصلة المادية والمعنوية بينهما فمن جهة نجد تعلق الإنسان بالكون الذي لولاه ما كان الإنسان.
ومن جهة أخرى نجد تعلق الكون بالإنسان، من خلال التوازن الكوني والبيئي الذي يلعب الدور الرئيسي، في الحفاظ علي الحيلة لكل من الكون والإنسان.
وهذا فيه إعجاز كبير، فكل هذا السر ينطلق من الذرة النورانية، ومكوناتها الجمادية، والتي تصبح نورانية في بدايتها ومسيرة حياتها وفي نهايتها، بكل مكوناتها الصغيرة.
والتي تمثل أصغر من كيان الذرة نفسها، والتي تلعب الدور المحوري في تماسك الكون، وبقاء الإنسان في الحياة من خلال تعانق ذراتها وجسيماتها الأولية، مع خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته، إلى حين.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر.. برنامج البعث والفناء
تعليق واحد