(8) مكانة العلم والعلماء في الإسلام
فكان ذلك أول تأهيلي شخصي لنفسه وأول إعداد عملي لروحه صلى الله عليه وسلم من قِبل ربه وكان عمره أربع سنوات حتى يتمكن في مستقبل الأيام من تحمل مشاق الدعوة وشظف العيش وجفاء أهله وعشيرته وكل القبائل من حوله في مكة المكرمة وما حولها.
وما سوف يتعرض له في نفسه وأهله والتابعين له وعظم ومكانة الدعوة التي سوف يحملها على عاتقه وجوامع الكلم والعلم الذي سوف يبلغه للبشرية في سابقة هي الأولى من نوعها على هذا المستوى الإلهي من التجهيز المادي والإعداد المعنوي لروحه وجسده صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا حادثة شق الصدر الثانية فحدثت للمرة الأولى قبل البعثة، وكان في كفالة عمه أبو طالب وعمره عشر سنوات، فقد صحت الروايات في قيام جبريل عليه السلام بشق صدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وغسله بماء زمزم وإفراغ الحكمة والإيمان في صدره حتى يتم تجهيز أجهزته وأعضاءه، وتقوية قدراته البشرية والبدنية والمعنوية اللازمة والضرورية، لاستقبال الوحي الإلهي وتحمله لكل علوم ما قبل الدنيا وعلوم الدنيا وعلوم الآخرة الظاهر منها والباطن العلني منها والسري المعلوم منها والمجهول.
أهمية العلم في الدعوة
من خلال علم القرآن الكريم الذي يحتوي على علم الأوَّلين وعلم الآخرين وعلم ما هو كان وعلم ما هو قائم وموجود وعلم ما سوف يكون إلى قيام الساعة وما بعدها إلى أبد الأبدين وكلها مشاهد تعلمها من ربه ونقلها إليه أمين الوحي جبريل عليه السلام، حتى أصبح لديه علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين.
وهذا ما أكده الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى النبى صلى الله عليه وسلم جالسًا فقال: “إني في صحراء وأنا ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو قال الثاني: نعم فاستقبلاني بوجوه لم أراها لخلق قط وأرواحًا لم أجدها من خلق قط ثيابًا لم أراها على أحد قط ثم أخذ كل واحد بعضوضي لا أجد لأحدهما مسًا فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعاني بلا قصر (بدون ضغط علي) وقال أحدهما لصاحبه أفلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال أخرج الغل والحسد فأخرج شىء على هيئة العلقه فنبذها، فقال اطرحها فقال له أدخل الرأفة والرحمة ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال أغدو (انطلق) واسلم (اسلم من كل شيء ظاهر وباطن)، فقال النبى فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة على الكبير”.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر