(1) الإسلام… والقبلتين
ربط الإسلام بين المسجدين والقبلتين برباط وثيق، وسنرى أن تحويل القبلة إلى البيت الحرام كان تعبيرًا عن تحديد هوية الأمة الإسلامية وفي نفس الوقت كان تأكيدًا لتبعية بيت المقدس للإسلام، ولذلك لم يكن عجيبًا أو غريبًا أن يحوز الإسلام على القبلتين في المسجد الأقصى ببيت المقدس وفي الكعبة المشرفة بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، وكان من السهولة بمكان تبديل القبلة الأولى المتمثلة في المسجد الأقصى بالقبلة الثانية المتمثلة في الكعبة المشرفة بالمسجد الحرام لوجود ارتباط وثيق بينهما.
فكلا المسجدين وكلا القبلتين بنتهما الملائكة، فبدأت بالكعبة المشرفة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وبعدها تم بناء المسجد الأقصى بعد بناء الكعبة المشرفة بأربعين عام، فالقبلتين تم بنائهما بواسطة الملائكة في حماية ورعاية الملائكة وبأمر من الله سبحانه وتعالى.
وتبديل المسجد الأقصى القبلة الأولى بالكعبة المشرفة القبلة الثانية، دليل قاطع على أن الله سبحانه وتعالى قد ضمَّ المسجدين والبلدين إلى حيازة الإسلام وانتقالهما من أبناء إبراهيم عليه السلام إسماعيل وإسحاق عليهما السلام إلى الإسلام في شخص محمد صلى الله عليه وسلم.
ربط الإسلام بين المسجدين والقبلتين برباط وثيق
وهذا التبديل سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون وآية من آياته الكبرى، فكل شيء في الكون يتم تبديله وتغيره بقدر وما يجري في الكون من آيات كبرى كانت موجودة قبل تبديلها، فكل شيء مخلوق قبل خلق الخلق وجاهز لرفع الستارة عنه في الوقت المناسب واللازم لظهوره بكن فيكون، مصداقًا لقوله تعالى: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (يس: 82).
فتبديل السماوات والأرض سوف يحدث بعد انهيار الكون الذي نعيش فيه، فالسماوات والأرض الموجودة الآن مؤقتة والسماوات والأرض الدائمة موجودة ومخلوقة وجاهزة للتبديل بمجرد أن يأتي إليها الأمر من قبل الله سبحانه وتعالى، مما يعني أن الأمر لن يستغرق سوى كن فيكون، مصداقًا لقوله تعالى: “يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ” (إبراهيم: 48).
وهذا معناه أن هناك أرض جاهزة وهناك سماوات جاهزة يتم تبديلها بأرضنا وسماواتنا عند نهاية هذا الكون الذي نعيش فيه وبعد انهياره، فيحدث تبديل الأرض والسماوات الحالية والمؤقتة والتي نعيش فيها بأسباب الله سبحانه وتعالى إلى الأرض والسماوات الدائمة والتي نعيش فيها في نور الله سبحانه وتعالى.
وكما تتبدل الأرض بالأرض والسماوات بالسماوات، تتبدل آيات القرآن الكريم بآيات أخرى بأمر من الله سبحانه وتعالى لبيان الأحكام، كما قال تعالى: “وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (النحل: 101).
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
2 تعليقات