مقالات

(23) قيم… رمضانية

كنَّا قد ذكرنا الحديث عن الدوائر الثلاثة التي تتحكم في حياة الإنسان وجميع المخلوقات على الأرض، فقبل الخلق كان الله ولا شيء معه وفي خلق الكون والإنسان في الدنيا وبعد الخلق في الآخرة، ثم انتقلنا بعدها إلى الدوائر الثلاثة الأخرى والتي تتحكم في حياة الإنسان المسلم وانتهينا في الحديث عن الدائرة الأولى والتي تُمثل العقيدة النقية الخالية من كل الشوائب.

والتي فحواها الإقرار بوحدانية الله والخضوع والاستسلام عن قناعة ورضا وحب للمنهج الذي أرسل الله به أنبياءه ورسله من أجل توجيه البشر إلى الاستقامة وحمايتهم من الوقوع في الذنوب والمعاصي التي تؤثر على حركتهم في الحياة، وتقوض كل المنافع التي يجنيها الإنسان من جراء عمله.

ولذلك كانت العقيدة هي الخطوة الأولى التي يخطوها الإنسان المسلم في طريقه إلى الله وبصحتها تقبل أعماله وبفسادها تحبط أعماله ولو كانت مثل جبل أحد وبالتالي فإن الحرص على سلامة هذه العقيدة ونقائها من كل شرك، هو الهدف الدائم الذي على أساسه يعاير به المسلم كل كلماته وأفعاله وسلوكه.

فلا يتفوَّه بكلام يتناقض مع هذه العقيدة ولا يجري وراء شهواته ونفسه الأمارة بالسوء من أجل الحصول على مكسب دنيوي حتى ولو على حساب نفسه أو الآخرين، بل عليه أن يكبح جماح نفسه ويطوعها حفاظًا على عقيدته ونفسه ومن أجل الحفاظ على مصالح الآخرين كما يحافظ على مصالحه الشخصية، فتكون العقيدة هي مرآة صاحبها في البحث عن الحلال والبعد عن الحرام.

وفي نفس الوقت لا يجري المسلم وراء الأشخاص أو الجماعات فيرفعهم إلى مستوى القداسة ويحولهم إلى أصنام تعبد من دون الله دون أن يشعر فالجماعة الأصلية الوحيدة والأولي بالاتباع، هي التي أسسها وبناها محمد صلى الله عليه وسلم وكل من يريد طريق الإسلام الصحيح، فعليه بالمضي قدمًا خلف منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة المنبثق منه.

لأنه لا قداسة لأحد في الإسلام إلا لله ومحمد صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله المخلصين، اصطفاه الله واختاره ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين ومخلصًا للبشرية من عبادة البشر وعبادة الأفكار وعبادة الحجارة وعبادة الأصنام بكل أشكالها وكل أنواعها، فكل الناس في هذه الحياة، عبيد لله ينعمون بخيره في دنياه التي خلقها لهم، حتى ولو رفضوا المنهج الداعي إلى هدايتهم، أما عباد الله، فهم الذين رضوا بالتكاليف من خلال المنهج وصبروا على آدائها حتى ينالوا الأجر والثواب في الآخرة.

فمفتاح الإيمان بالإسلام والذي ينطوي تحته كل العبادات والمعاملات هو في سلامة العقيدة وعدم الجري وراء الهوى الذي أفسد على الناس عقيدتهم وحولهم إلى قتلة ومجرمين من أجل السلطة الزمنية التي تجعل البعض يسعى إلى أن يفيض على نفسه مسحة دينية من أجل الحصول على سلطة دنيوية مؤقتة.

ولذلك كانت ألاعيب الشيطان هي الدافع وراء إدخال الهوى في نفوس الناس من أجل أن ينحرفوا عن طريق الإيمان، لأن الهوى وحب الدنيا هو الذي أدى إلى كل هذه الخلافات وكل هذه التناقضات في نفوس البشر ولذلك حذرنا الله ورسوله من اتباع خطوات الشيطان ونبهنا على المخاطر التي يمكن أن يجريها على أبناء آدم، كما فعل مع آدم عليه السلام قبل خلقه وفي بداية حياته.

وكان التصرف الأحمق الذي وقع فيه الشيطان يتمحور حول الخيرية والاستكبار والعلو فأورث نفسه وذريته الهلاك واللعن والطرد من رحمة الله، لأنه رد الأمر على الله، فلم يتراجع عن استكباره على آدم ولم يتراجع عن العلو والاستكبار على أمر الله وكل من ينحى منحى الشيطان من البشر في الخيرية والاستكبار والعلو وعدم مراجعته لنفسه حق عليه اللعنه والطرد من رحمة الله.

وهذه القيمة الرمضانية العظيمة الثالثة والعشرون والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا، فلا قداسة لأحد في الإسلام إلا لله والخيرية والعلو والاستكبار صفات الشيطان على المسلم تجنبها وإلا أصبح شيطان.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »