(39) قيم… رمضانية
لا إصلاح سياسي أو اقتصادي وشيوع الأمانة دون صدق وأمانة، فهما الترمومتر الذي يقاس به تقدم أي اقتصاد ناجح من عدمه وإذا تحرينا الدقة فيما نقول لقلنا أنهما وبهما يتم حل مشاكل الأمة كلها في فترة زمنية محدودة، إذا وضع سلوك الصدق والأمانة في الميزان وكان المعيار الذي على أساسه يتم اختيار القيادات من القاعدة إلى القمة في كل المؤسسات وعلى مستوى كل الدرجات.
فالإنسان الصادق الأمين يحافظ على نفسه وأهله وجيرانه ومجتمع وإنسانيته ويقدم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، لأن المصلحة العامة تعم كل الناس وهو واحد منهم، أمَّا المصلحة الخاصة تخصه هو وحده وفي وجود المصلحة العامة والحفاظ عليه يسود الصدق والأمانة والحب والمودة بين الناس وفي وجود المصلحة الخاصة يسود الكذب والخيانة والكراهية بينه والناس.
ولذلك كان لا بد من إعلاء مكانة الصدق والأمانة في نفوس الناس وجعلها في مكانة متقدمة على غيرها من السلوك الإنساني بعد سيادة الحرية والعدل التي تعطي كل ذي حق حقه ولا تسمح بتجاوز هذه الصفة على الصفة الأخرى في إطار من الانضباط والذي يجعل حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخر حتى لا تسود الفوضى باسم الحرية التي جعلت من أجل الحفاظ على مصالح الجميع.
ومن هنا وقع الاختيار عليه صلى الله عليه وسلم بعد ظهور علامات الصدق والأمانة وبروزهما في وقت مبكر في شخصه وفي شهرته بين قومه وقبل بعثته والتي لعبت الدور الأكبر في صدقه وأمانته حتى ملأت جنبات حياته فلقبه قومه وأعدائه بالصادق الأمين.
مما كان له بالغ الأثر في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى لصدقه وأمانته وتوصيل رسالته بتجرد وإخلاص إلى العالمين دون زيادة أو نقصان بل بلغها إلى الناس جميعًا كما نزلت عليه ومن هنا كان للصدق والأمانة الذين تميزا بهما مكانة خاصة عند ربه فأكدهما في الكثير من آيات القرآن الكريم باعتبارهما عنصرين أساسيين لصحة وسلامة المجتمع المسلم وخلوه من كل الأمراض المادية والمعنوية.
وهذه القيمة الرمضانية العظيمة التاسعة والثلاثون والتي يجب علينا أن نتعلمها من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا عن انهيار المجتمع في كل المجالات في غياب الحرية والعدالة والصدق والأمانة والشفافية والمساواة والرقابة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر