مقالات

(59) قيم… رمضانية

من أروع ما مرَّ على مصر من تخطيط اقتصادي برز في حكم النبي يوسف عليه السلام لمصر وخطته في مواجهة المجاعة وذلك باستخدام الإمكانات المتاحة عن طريق ادخار إنتاج سبع سنوات من الرخاء لتكفي مواجهة سبع سنوات من الجفاف، انتظارًا لعام الرخاء مصداقًا لقوله تعالى: “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ” (يوسف: 47- 49).

فتحدث يوسف عليه السلام عن سبع سنوات وفيرة ستحقق فيها مصر إنتاجا زراعيًّا  وفيرًا بالعمل الدؤوب يتم تخزينه في أماكن آمنة، ثم يأتي سبع سنين يعم فيها القحط والجفاف فيوزع الطعام كل حسب حاجته ثم يأتي عام فيه إنتاج وفير للمحاصيل لدرجة أنهم يبدأون بعصر الثمار من كثرتها بعد ما كانت تكفيهم بالكاد.

أهمية تحقيق تخطيط اقتصادي ونمو حقيقي

وبالتالي لن يكون هناك نمو اقتصادي حقيقي في غياب التخطيط العلمي السليم والمتوازن، والذي يتواكب مع نشر الوحدات الاقتصادية، طبقًا لمشروع الفسيلة للمؤلف لكي يشكل منظومة اقتصادية واحدة تكاملية غير تنافسية تعمل في البيئة المحيطة، وتعمل على تنمية نفسها من خلال نشر وانتشار بؤر علمية متخصصة تشمل كل مجالات الحياة هدفها بالدرجة الأولى السعي في إيجاد توازنات تهدف إلى تحويل الفقير والعاطل عن العمل إلى منتج وصاحب مشروع، يسعى إلى تحسين المنتج وخلق البيئة الصالحة لتسويقه، مع الاهتمام والرعاية والعناية بتطوير هذا المنتج وتحويله إلى سلعة استراتيجية تتسم بالجودة العالية والسعر المناسب لجميع طبقات المجتمع كل حسب إمكانياته.

وتُساهم هذه البؤر العلمية في تطوير الجوانب الفنية للمنتج بما يتناسب مع البيئة المحيطة، مع التطلع والنظر إلى تسويقه على المستوى العالمي بعد سيطرته وهيمنته على الوضع المحلي، ومن ثمَّ تفتح أمامه أسواق واعده في مختلف أنحاء العالم، مما يؤدي حتمًا إلى تحسين التصدير وهذا يصب الكثير من العملات الصعبة التي نحن في أشد الحاجة إليها لتحسين الحالة الاقتصادية.

أهمية البؤر العلمية

ولا تتوقف هذه البؤر العلمية عند التطوير ولكنها تذهب بعيدًا حيث الإبداع والابتكار والاختراع وإيجاد أفكار جديدة ومتجددة لخلق وإيجاد منتج جديد ببصمة مصرية لا يوجد لها مثيل ولا شبيه على المستوى العالمي، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى خلق فرص عمل كثيرة، وحل مشاكل البطالة ويؤدي إلى سريان الروح والحياة في جنبات المجتمع، فيشعر الناس بالأمان والاستقرار الحقيقي ويعم الرخاء.

وهذا يؤدي في جملة ما يؤدي إلى استعادة الثقة بالنفس والمقدرة على إيجاد نظام قوي يتسم بالشدة والصرامة في تطبيق الخطط الحالية ووضع الخطط المستقبلية التي تمكن المجتمع من الوقوف على قدميه ويتمكن من معرفة رأسه من رجليه فيما يقدم من خطط ونظم جاهزة للتنفيذ في سلسلة متصلة الحلقات يدعم بعضها البعض ويعين بعضها البعض في غياب المحاباة واستبعاد أهل الثقة واستقدام أهل الخبرة على رأس كل القرارات.

في وجود منظومة سياسية اقتصادية تكاملية توافقية، يكون فيها اليد الطولى للشعوب، لأنه هناك اتفاق عام وشامل بين العقلاء من البشر، أن لا وجود لأي تقدم اقتصادي حقيقي في غياب وتغييب الحرية السياسية الحقيقية للأفراد والجماعات.

أهمية منهج القرآن والنبوة في حياة الإنسان

وهذه القيمة الرمضانية العظيمة التاسعة والخمسون والتي يجب علينا أن نتعلمها، من منهج القرآن الكريم ومنهج النبوة وأفصح لنا فيها رمضان في الدائرة الثانية في الدنيا، بأن وجود منظومة سياسية اقتصادية تكاملية توافقية، تصب في مصلحة الشعوب هو الحل الأمثل لمشاكل الفقر والجوع والأمية والتطرف.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »