(59) إشراقات… رمضانية
مرور الإنسان بكل المراحل الدنيوية كما حدَّدها القرآن الكريم والتي بدأت بالمراحل الثلاثة داخل الرحم بكل تبعاتها المادية والمعنوية وتشكيل بنية الجنين المادية والروحية بشكل مبدع ومتقن بعد سكون الروح فيه ثم خروجه إلى الدنيا وحدود الدائرة الثانية.
وفيها يعيش فترة الطفولة والمراهقة والتي تستغرق العشرين عام الأولى من حياته، فلا يكون مسئولًا عن تصرفاته إلا بعد البلوغ وقدرته على الزواج وإنجاب مثله، ساعتها يبدأ عداد الحساب عد عليه كل حسناته وسيئاته، وهذا من كرم الله على الإنسان، فلا يكلفه إلا بعد البلوغ واستقرار حالته المادية والمعنوية.
وتُعتبر المرحلة الذهبية من عمر الإنسان هي الفترة الزمنية من سن العشرين إلى سن الأربعين وفيها ينعم بالصحة والعافية ويكتمل نضجه العقلي والذهني وتستقر جوارحه ويعرف معنى الحياة.
قال تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (الأحقاف: 15).
المراحل الدنيوية للإنسان
وفي رمضان الكريم بالإضافة إلى خلق الإنسان من تراب حتى وصوله بالمرحلة الزمنية الثانية من عمر الأربعين إلى عمر الستين يشعر الإنسان بالاستقرار المادي والمعنوي ولكنه يبدأ بالتدريج في فقدان صحته فتتكاثر عليه الأمراض من كل حدب وصوب، فيفقد الإنسان المال الذي جمعه في الفترة الذهبية من حياته.
ويبدأ بالتدريج في الاقتراب من الآخرة المتمثلة في الدائرة الثالثة المرتبطة برباط وثيق بالدائرة الثانية قال تعالى: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (غافر: 67).
وفي الدائرة الثانية من عمر الدنيا، تعني أن أقدار الله سبحانه تتابع الإنسان وتلاحقه في نومه وصحيانه وفي حركاته وسكناته وفي ذهابه وإيابه، بل وفي نموه وانتقاله من مرحلة إلى أخرى وفيه يمتلئ الإنسان بالأمل في الدنيا ويكون مفعمًا بالرجاء في عفو الله ورحمته ويمضي قدمًا في مسيرة الحياة التي لا يدري متى تنتهي في سن الطفولة والفتوة والمراهقة أم في سن البلوغ والشباب والرجولة أم في سن الكهولة والشيخوخة وأرذل العمر ولكنها الأقدار تدور حيث تشاء ويدور هو معها رغمًا عن أنفه في كل الأوقات إلا إذا كان على يمين الله الرحمن الرحيم القوي العزيز الحكيم الغفار.
وهذا فيه إعجاز هائل، لا يقدر على تحقيق وقوعه إلا الله، في خلق الإنسان من جماد في صورة تراب ثم مروره في زيارة عابرة داخل الرحم لا تستغرق سوى 9 أشهر فيصبح بشرًا سويًّا ثم ينتقل من الرحم إلى الدنيا، فينمو ويكبر في خلاياه وأنسجته وأعضائه إلى الأمام وليس العكس دوران إلى أن يصل إلى آخر محطة له في الحياة، دون زيادة في عمره أو نقصان، إنَّما صُوِّر ورُكِّب وعّدِّل في أحسن صورة بقدرة الله العليم الخبير.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر