(40) مصر… في الحج
هاجر عليها السلام، أميرة مصرية فرعونية من سلالة الملوك الفراعنة، ومن أكرم البيوت في مصر، وكانت امرأة جميلة مؤمنة موحدة صابرة وعابدة، قيل إنها من الشرقية وقيل إنها نوبية ولكنها في المقام الأول والأخير كانت امرأة مصرية.
لم تكن هاجر المصرية عليها السلام، جارية تخدم سارة عليها السلام، كما يدعي اليهود في كتبهم، وكما يشير بعض المتنطعين والجهلة من العرب الذي يحذون حذو اليهود في أقوالهم وأفعالهم، إذا دخلو جحرًا أسرعوا بالدخول ورائهم، كما قال الرسول؛ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم”، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهود والنصارى؟ قال: “فمَنْ؟” رواه البخاري.
ولم تكن مارية القبطية المصرية عليها السلام وأم المؤمنين، جارية كما يدعي المتنطعين والجهلة من اليهود والعرب، بل كانت من أعظم بيوت مصر وأكرمها وأجلها وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنجب منها ابنه إبراهيم عليه السلام، ولم ينجب من غيرها، إلا أم المؤمنين خديجة عليها السلام.
فالجَارِيَة تستخدم للإشارة إلى العبيد من الإناث، الذين استعبدوا عبر السلب أو النهب في الحروب أو من قبل قطاع الطرق أو من ولدت لأمة وعبد مملوك، فهي جارية وتسمى جارية، فلم يقل أحد أن هاجر ومارية عليهما السلام، قد استعبدوا عبر كل هذه الوسائل السابقة، التي تجعل الواحدة منهن جارية.
مساوئ تزوير التاريخ
ولم يقل أحد من ناقلي التاريخ المزور، الذي يكتب في دواوين الحكام على مدار الزمان أن فرعون مصر باع هاجر عليها السلام لإبراهيم عليها السلام أو أن المقوقس عظيم القبط، قد باع مارية إلى محمد صلى الله عليه وسلم، إنما لفظ الجارية المتداول كما في القاموس هي الفتاة.
ولكن هدف من وراء كل هذه الدعوات الخبيثة، التي تتناقلها الأيدي الملوثة بالكذب والمليئة بالخداع الحط من مكانة مصر، باعتبار هاجر ومارية عليهما السلام مصريتين، وهما أعظم امرأتين في تاريخ الإنسانية، تركا بصمات في العالم لا ينكرها إلا سفيه أو قليل العقل والدين، وكانت لهما منزلة خاصة بين العالمين.
وإلا ما تزوجت هاجر عليها السلام من إبراهيم أبو الأنبياء وما تزوجت مارية، سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الهدف من هذه الدعاوى ليس الحط من مكانة هاجر ومارية عليهما السلام، بقدر الحط من منزلة أبو الأنبياء ومكانة سيد الأنبياء والمرسلين عليهما السلام.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد الربط بين امرأتين عظيمتين من مصر هاجر ومارية عليهما السلام، ونبيين عظيمين أصولهما مصرية، هما إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر