(41) مصر… في الحج
اسم هاجر له معانٍ كثيرة، إن لم يكن فيه كل معاني الحياة بشمولها، فهو اسم منبثق من الهجرة التي تسيطر على حياة كل شيء في الكون والإنسان والحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات والكائنات الدقيقة، منذ الولادة وحتى الوفاة والفناء.
فالكل في هجرة دائمة في داخل نفسه بجسده وروحه وفي محيطه ومن حوله، والهجرة لم تترك الإنسان في رحلته إلى الدار الآخرة، التي يهاجر إليها، كما كانت هجرته في الدنيا.
فمن هاجر كانت الهجرة وهي كلمة جامعة تحمل كل معاني الهجرة، في الحياة في الزمان وفي المكان بشكل عام، منذ أن كان الإنسان جنينًا في بطن أمه إلى أن اكتمل نموه ونضجه، مهاجرًا في رحم أمه بين خلاياها وأنسجتها وأعضائها وأجهزتها المتصلة بخلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته، من مرحلة إلى أخرى حتى يصبح جنينًا كاملًا وبشرًا سويًّا في شكله وكيانه.
موت الإنسان وحيدًا
ثم يخرج الجنين إلى الدنيا مهاجرًا من رحم أمه الصغير، الذي يسعه وحيدًا إلى رحم الكون الكبير الذي يسع معه ثمانية مليار شخص، يعيش فيه بأسباب الله وطلاقة قدرته إلى أن يأتيه قدره بالوفاة، فيترك الدنيا وحيدًا كما جاء دون جاه أو سلطة، لا فرق بين الفقير والغني فالكل سواء في الدخول والخروج، ولكن معيار الطاعة والإيمان هو الذي يحدد مصير الإنسان في الجنة أو النار.
ثم يُهاجر الإنسان في الحياة بمفرده، منذ أن وطأ بقدمه إلى الدنيا ومعه خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته في مراحل عمره المختلفة من طفل رضيع عند سنتين إلى طفل عند سبع سنوات، إلى صبي عند عشر سنوات إلى فتى عند اثنى عشر سنة، ثم يدخل في سن المراهقة عند أربعة عشر سنة، ثم سن البلوغ عند سبعة عشر سنة، ثم سن شاب حتى تسعة عشر سنة ثم رجل من العشرين إلى الأربعين، ثم كهل من الأربعين إلى الستين ثم شيخًا من الستين إلى الثمانين، ثم أرذل العمر من الثمانين إلى مائة عام، قرن من الزمان بعدها يبدأ بتجهيز نفسه ويعدها للمغادرة في أي من هذه الأعمار، من أجل الهجرة إلى الآخرة في مراحلها المختلفة.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، أن تحمل كلمة هاجر معنى الحياة من بدايتها إلى نهايتها، ثم تستمر معها إلى الدار الآخرة من بدايتها إلى نهايتها، فهي كلمة من جوامع الكلم التي جمعت الدنيا والآخرة في كلمة الهجرة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر