(75) مصر… في الحج
لم يفهم الكثير من الناس المغزى من وجود الحجارة في الحج ولم يدرك هؤلاء، أن الحجارة أكثر عقلًا وأرحب فكرًا وأوسع فهمًا، وأكثر نفعًا وأشد خشية لله من بني آدم، بالرغم من أنها حجارة جافة وقاسية وصمّاء في الظاهر، ولكنها تحمل في باطنها كل معاني الإيمان بالله، في حركات تعبدية دائمة لا تنقطع بالليل أو النهار.
فالحجارة رضيت، أن تكون مسيّرة لا مخيّرة وقبلت راضية ومختارة، أن تكون في طاعة دائمة لله في نطاق التسيير، ورفضت أن تكون مخيرة في نطاق التخيير مثل الإنسان، فوفت بوعدها على غير الإنسان الذي خان الأمانة مع أنه اختار أن يكون مخيرًا في نطاق التخيير.
ومع ذلك، لا يفهم الكثير من الناس الخبرات التراكمية التعبدية للحجارة، في فهم مرادات الله عن الله والمليئة بكل أسرار الطاعة والوفاء والانقياد لأوامر الله والإيمان بوحدانية الله ومع ذلك يعتقد البعض ممن لا يفهمون أسرار الله في خلقه للحجارة، أن أركان الحج في الإسلام تتمحور حول عبادة الحجارة في السعي والطواف والصلاة.
وإذا كانت الحجارة، تتكون من مواد جيرية كلسية، فإن هذه المواد تتكون من جزيئات صغيرة وهذه الجزيئات تتكون من ذرات داخل هذه الجزيئات وجسيمات أولية داخل هذه الذرات، تموج جميعها بالحركة والنشاط في نطاق الذكر لله، والتسبيح بحمد الله في كل الأوقات.
الذكر قائم في ذرات الحجارة
فالذكر قائم في ذرات الحجارة، فلا تنام بالليل ولا بالنهار مثل الإنسان، والذكر دائم في الجسيمات الأولية للذرات في الحجارة في كل الأوقات وفي الصباح والمساء، لأن الحجارة مسيرة مثل السماوات والأرض والملائكة في نطاق التسيير، مع أنها في الظاهر جماد صماء، وفي الباطن أعبد المخلوقات، لأنها قبلت أن تكون مسيرة كما أراد الله لها، ورفضت أن تكون مخيرة كما أرادت هي لنفسها.
وهذا يؤكد أن هذا البعض من البشر، الذين لا يفهمون شيء عن أسرار الله في خلق الكون والإنسان بشكل عام وفي أركان الحج بشكل خاص، والتي تتمحور حول إعلان الولاء لله الواحد وعبادته بالطريقة التي أرادها الله لعباده لا عبادة الحجارة .
فالإنسان والحجر، يعبدون الله حق عبادته في نطاق التسيير، على مستوى الذرات والجسيمات الأولية، ولكن الإنسان يعبد الله في نطاق ضيق من التخيير، عن الكلمة التي يتكلمها بلسانه ويعبر بها عن نفسه، في الحج وأركانه وفي غيره من مراحل حياته.
ومن هذا المنطلق نجد أن الإنسان الذي يحتقر وجود الحجر، يحتقر وجود نفسه، ولا يفهم أنه لولا الحجر ما وجدت الجبال، وما استقرت الأرض على حال، وما وجد عليها حياة، ولولا الحجارة ما وجد ساكن واحد يستطيع أن يعيش على سطح الكرة الأرضية، بعد أن فقدت الأرض توازنها بغياب الجبال.
لولا الحجارة ما وجدت الكائنات الحية
ولولا الحجارة، ما وجدت الحيوانات والطيور والحشرات، وما عاشت النباتات والجمادات والكائنات الدقيقة، ولولا الحجارة ما وجدت الكواكب والنجوم والمجرات ولا الكون وما خلق الإنسان ولولا الحجارة التي تحتوي على المواد الأولية، ما كانت الجزيئات ولا الذرات، ولا الجسيميات الأولية ولا الطاقة المحبوسة فيها، اللازمة لثبات الكون وبقاءه، اللازم لحياة الإنسان ولولا الجبال ما وجدت خيرات ولا أقوات في الأرض وما نزل الماء من السماء، وهذا معناه انه لولا الحجارة، ما وجد كون وما خلق إنسان.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يُبين لنا أن الحجارة تحمي الأرض من الزوال والذوبان والانهيار، بفعل الزلازل والبراكين والفيضانات، وما استقرت الأرض على حال، وما استطاع إنسان واحد أن يعيش على الكرة الأرضية دون وجودها.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر