(14) مشروع الفسيلة… ودروس من الهجرة
مشروع الفسيلة الثاني المعروض على بساط البحث في موقع إعجاز، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشروع الفسيلة الأول، الذي نفذ بهمة واقتدار، على أيدي المهاجرين والأنصار، فمثل حجر الزوايا في البناء الاقتصادي للحضارة الإسلامية، التي امتدت وتمددت في كل أنحاء العالم.
وبالرغم من الحروب الشعواء والدائرة على أشدها، على امتداد الأمة المغدورة بأنظمتها، التي تعمل لمصلحة الغرب والحفاظ على مصالحه الاستراتيجة، حتى لو تعرضت هذه الحضارة وأتباعها، إلى المزيد من التخلف والفقر والجوع والحرمان.
فالحصار واقع على أشده في الداخل قبل الخارج، ومن ثمَّ فإن المنقذ الوحيد لها، في إيمان أبنائها بأن العودة إلى جذورها الحضارية، هي التي سوف تخرجها من أتون هذه الحلقة المفرغة، التي نجح أعدائها في وضعها فيه وربط به، والتي تؤكد أهمية العودة إلى الحكم بكتاب الله سبحانه وتعالى والسنة النبوية، من أجل الاعتماد الذاتي على نفسها في صناعة تقدمها من باطن حضارتها.
وهذا ليس عجيب ولا غريب، فالعالم كله عاد إلى ذاتيته، وجذوره في كل شئون حياته، فالغرب المسيحي، يعلن تمسكه بجذوره اليهودية والمسيحية، والصين الشيوعية تعلن تمسكها بعقيدتها الملحدة التي تنكر وجود الله سبحانه وتعالى، واليابان البوذية تعلن ولاءها لبوذا، والهند الهندوسية تعلن ولاءها للهندوسبة، وغيرها من الملل والنحل في شتى بقاع الأرض.
أمَّا أمَّة الإسلام، فولاءها دائمًا وأبدًا لله سبحانه وتعالى، والإيمان بأنه واحد لا شريك له، عقيدة تتناقلها الأجيال على مر الزمان منذ مبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وإذا كان الله قد خلق الكون ووهب الإنسان الحياة، فإن خيره موزع على الجميع المؤمن به والكافر به والناكر لوجوده على حد سواء، ويعطي الكافر والملحد المجد والمجتهد الخير الوفير في الدنيا، ويمنعه عن المؤمن الكسول الذي لا يعطي للعمل حقه.
ضرورة جد واجتهاد المؤمن بالله
ولو عمل المؤمن بالله بجد واجتهاد، وأتقن عمله لتقدم على غيره في كل مجال، وتمكن من حل مشاكله الذاتية ومشاكل أمته، وتخلص من الفاسدين الذين تبنوا الفشل في كل مجال، حتى أصبح نمط حياة، فكيف يحل الفاشل والفاسد مشاكل الأمة، وهو السبب في وجودها في غياب المعيار، الذي يقدم الناجح والمجتهد على غيره في جميع المجالات.
فالبشر على مستوى الكرة الأرضية، يرفع شعار الاعتماد على الذات في جميع المجالات، وتتكامل الأمم والشعوب، من أجل توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة ثم الكفاية ثم الرفاهية، من خلال العلم والبحث فيه، وليس من خلال تلقي المعونات من أجل توفير رغيف الخبز الحاف.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد