(21) أمريكا… في وجه العاصفة
في المحطة الثامنة توالت الثورات العربية في متوالية عددية على الظلم والفساد والاستبداد، فانطلقت أحداث الربيع العربي الدرامية وشراراته الدامية، أول ما انطلقت من تونس في 17 ديسمبر 2010، ثم انتقلت سريعًا إلى مصر في 25 يناير 2011، ثم إلى اليمن في 27 يناير 2011 م، ثم في ليبيا في 15 فبراير 2011، ثم في سوريا 15 مارس 2011.
كانت في الحقيقة ثورات حقيقية، تعبر عن آمال الشعوب في التقدم والازدهار، وتطالب فيها الشعوب بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والوظيفة والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، وهي مطالب بسيطة داستها الأنظمة والحكومات بأقدامها، فكانت السبيل الوحيد أمام الشعوب حتى تتمكن من العيش بكرامة وإنسانية.
وكانت الشعوب تطالب بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، في الحرية والعدالة والصدق والأمانة والشفافية والمساواة والرقابة، وهي مطالب بسيطة أيضًا، كان يمكن تحقيقها من خلال إقامة العدل بين الناس ورفع الظلم وانتخاب من يُمثل الشعب بشكل حقيقي، في مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة حتى يتم محاسبة المقصر وترقية المجتهد.
تم إفشال الموجة الأولى من الربيع العربي بواسطة الغرب ووكلائه والدولة العميقة، فأجهضت الحرية والديمقراطية في العالم العربي مرة أخرى، تركت مصر وتونس وأدخلت اليمن وليبيا وسوريا في أتون حروب أهلية لم تنتهِ حتى اليوم.
دور الثورات العربية في إنقاذ الأمة
كان الربيع العربي بمثابة الأمل الكبير لكل العرب، من أجل إنقاذ الأمة وإخراجها من محنتها، ولكن أبى أحفاد ووكلاء هنري كامبل، في تحقيق هذا الحلم الكبير في عقد مصالحة تاريخية بين الأنظمة والشعوب، يحافظ كل منهما على مصالح الآخر في إطار العدل، وفي وجود دولة مدنية قوية قادرة، على حماية أرضها وشعبها وجيرانها، كما تفعل كل دول العالم الحر.
ولكن كان هناك من يقف لهذه الثورات بالمرصاد من وراء ستارة، حقدًا على تحرر الشعوب، وكراهية لتقدمها، فأنفقت مئات المليارات من أجل إفشال الموجة الأولى من الثورات العربية، والتي لن تمنع حدوث الموجة الثانية والثالثة، بعد عودة الدولة العميقة مرة أخرى إلى الواجهة بأجنحتها المختلفة والمتلونة.
فهل ترضخ أمريكا لإرادة الشعوب العربية والإسلامية الحرة وتستخلص الدروس والعبر، بعد الذي حدث لها في انتخابات 2020، بالرغم من أن ذلك لم يستمر لأكثر من أسبوعين، فجعل الشعب الأمريكي ومؤسساته يدور حول نفسه مائة وثمانين درجة، حتى يخرج من هذا الموقف، بحل توافقي يعيد آليه اللحمة والذي وقع فيه جراء الانتخابات، فماذا يصنع العالم الإسلامي، إذا كانت شعوبه ومؤسساتها تدور حول نفسها من ألف سنة، وليس من أسبوعين، ثم يتحدثون عن التطرف والإرهاب.
إن شعور أمريكا بهزة قوية وعنيفة في كيانها وهزة قوية وعميقة في وجودها وكأنها ضربت بزلازل أربكها وتسونامي زاد من حدة الانقسام الشديد بين شعبها ناحية اليمين وناحية اليسار، بعد أن شعرت بالخطر الشديد على ديمقراطيتها، بالرغم من دعمها الدائم للديمقراطية في الغرب، وتأييدها الدائم باستخدام القوة الغاشمة للديكتاتورية في الشرق، والتي كشف عنها ترامب وهتك أستارها المزيفة، في أسبوعين من نهاية الانتخابات، بالرغم من وجودها على مدار 200 سنة، فهل تعي أمريكا الدرس حقًا؟.. إنا لمنتظرون.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر