(67) الإسلام… في ميلاد الرسول
انتقال برنامج البعث والفناء عبر المراحل الزمانية والمكانية المختلفة داخل الإنسان، يعتمد بشكل أساسي على المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان، والتغيرات الفسيولوجية والتشريحية والنسيجية والبيولوجينية والجينية والكيميائية والمناعية وغيرها الكثير، والتي في حاجة ملحة إليها حتى تنتقل بشكل منضبط من مرحلة إلى أخرى، فكل مرحلة لها عنوانها ومميزاتها التي تميزها عن المرحلة الأخرى، وتختلف بشكل كامل وجذري عن المراحل السابقة لها والمراحل اللاحقة بها.
ويحمل برنامج البعث والفناء في طياته، بشكل ممنهج ومدروس، خصائص كل مرحلة عمرية على حدة، يمر بها الإنسان منذ أن كان جنينا في بطن أمه، بحيث لا يحدث تداخل بين حياة الجنين داخل الرحم وحياته كطفل خارجه وفي مختلف الأعمار.
فلا يمكن أن تسبق مرحلة الطفل الرضيع مرحلة تكوين الجنين، ولا يمكن أن يتقدم الطفل والفتى على الشباب والرجولة والشباب، وإنما عملية متدرجة منظمة، ينتقل على إثرها البرنامج بشكل مدروس ومبرمج من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وفي كل المراحل المختلفة، يعطي كل مرحلة الطبيعة التي تميزها من حيث الشكل الخارجي والمضمون والتكوين الداخلي، والذي يميزها عن غيرها من المراحل.
برنامج البعث والفناء
وبرنامج البعث والفناء، برنامج مادي بحت يتعلق بمادية جسد الإنسان، ولا يتعلق بمعنويات روحه، التي يبدو أنها تدير هذا البرنامج من الألف إلى الياء، لقدرتها النورانية المتفردة على مفردات الجسد ومكوناته، وبالتالي نجد أنه على ما يبدو، أن هذا البرنامج النوراني الذي يتحكم في البرنامج المادي للبعث والفناء، متعلق ومتصل بالدائرة الأولى التي أتت منها الروح اللازمة لحياة وبقاء الإنسان وسائر الكائنات الحية والتي يستمد منها بقاءه ووجوده بشكل مؤقت في الحياة.
ويبقى الإنسان في نهاية المطاف، منتج بشري في المرحلة النهائية من حياته مثل مرحلة البداية في طفولته، بعد استهلاك كل مكونات برنامج البعث والفناء ومخلفاته، وإعادة تدويرها ماديًّا ومعنويًّا، بحيث يصبح تصرف الإنسان في شيخوخته مثل تصرفاته في طفولته، مما يعني أن البرنامج قد استنفذ كل محتواه، فصار يمد الجسم بما تبقى عنده من بقايا البرنامج التي تتساوى فيها الطفولة مع الشيخوخة بعد طول عمل وشقاء، مصداقًا لقوله تعالى: “وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ” (يس: 68).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فبراعة برنامج البعث والفناء تتمحور حول الانتقال التدريجي للإنسان داخل الرحم وخارجه، منذ أن جاء إلى الدنيا في مرحلة الجنين والطفولة، إلى مغادرته الحياة في مرحلة الشيوخ والشياب بشكل ممنهج، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد