(68) الإسلام… في ميلاد الرسول
ما بين مرحلة تخليق الجنين وعمره داخل الرحم، والتي تستغرق من 6- 9 أشهر في البناء والتكوين، حتى يكتمل نموه ويصبح جنينًا قادرًا على الحفاظ على حياته وقادر على الخروج من الرحم وهو في كامل قوته وبناءه ونضوجه، ومستعد لمواجهة الحياة والمصاعب خارج الرحم.
فهو ناضج بالقدر الكافي، الذي يمكنه من الاستعداد لمواجهة الصعاب في حياة جديدة خارج الرحم، وجاهز لتحمل كافة المشاكل، التي يمكن أن يواجهها بشر في بداية حياته، فيتمكن من بدء مسيرة حياته الجديدة في الدنيا، والتي يتغير فيها اسمه وشكله وورسمه وملامحه الخارجية ومكوناته الداخلية وعنوانه، وطبيعة جنسه بعد مغادرته رحم أمه، وبعد انتقاله داخل الرحم من مرحلة إلى أخرى بكل تفاصيلها المعقدة مرحلة من بعد أخرى.
وبين نمو الجنين داخل رحم أمه الصغير، الذي يحنو عليه ويستوعبه ويحتويه ويحافظ على حياته بقدرة الله وحفظه، فيقضي فيه كل الأوقات وحيدًا، بعد أن جهز له مكانًا ممهدًا وآمنًا، وزمانًا محددًا وموقوتًا، فيه كل أسباب الراحة والنوم والهدوء والاطمئنان والاستقرار المؤقت وراحة البال، وفيه كل أسباب استبقاء حياته، فكان الرحم هو المكان الآمن، الذي يحميه ويحنو عليه، ويمده بكل احتياجاته المادية والعاطفية، لذلك سمى الله نفسه الرحمن الرحيم.
فيصبح الرحم الصلة والوصال، التي يصل فيها الجنين رحمه برحمه داخله مع نفسه، ومع سائر خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته، قبل أن يكون له صلة رحم مع الآخرين خارجه، فيقوم الرحم بإعداد الطعام والشراب اللازم لغذاء الجنين بشكل معقد، في إطار القدرة الإلهية الواسعة، التي تستوعب هذا المخلوق المدهش والعجيب، خارج إطار العقل والفهم والزمكان والتقليد المحدود للبشر، في الحكم على الأمور ماديًّا ومعنويًّا.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فبراعة برنامج البعث والفناء، يُدير حياة الجنين من الألف إلى الياء، بشكل معجز ومبهر، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر