الربيع العربى في… أمريكا بالمقلوب
أمريكا في وجه العاصفة مرة أخرى، كانت المرة الأولى عند الحديث عن تزوير الانتخابات الأمريكية على لسان الرئيس الأمريكي ترامب، متهمًا خصومه الديمقراطيين بتزوير الانتخابات الرئاسية واتهمهم بأنهم أشرار يريدون تدمير البلاد وتسليمها للشيوعية، كما يفعل حكام العالم الثالث مع شعوبهم.
نفس المنطق المقلوب الذي أدار به ترامب، اللعبة في أمريكا ضد الشعب الأمريكي في 2021، هي نفس اللعبة التي تدار في العالم العربي من 1952 وحتى 2021، على مدار سبعين سنة بواسطة الأنظمة المستبدة بتشجيع وتأييد من الحكومات الأمريكية المتعاقبة والمتقلبة على حريات الشعوب وتقدمها بنفس المنطق المعوج والمقلوب الذي أدار به ترامب انتخابات 2021.
أمريكا في وجه العاصفة
وعلى مدار سبعين سنة قتل عشرات الملايين من الشعوب العربية على أيدي الأنظمة المستبدة المؤيدة والمدعومة من أمريكا بالمال والسلاح ولم تزرف أمريكا ولا زعمائها السياسيين دمعة واحدة على هؤلاء الضحايا في الوقت الذي ندد فيه زعماء أمريكا وساستها على مقتل أربعة أشخاص عند اقتحام مبنى الكابيتول على أيدي جماعة ترامب.
إنه الكيل بمئات المكاييل من جانب الغرب المنافق والمستهتر بالحد الأدنى من قيم وأخلاق الإنسانية، بشكل عام وأمريكا بشكل خاص ضد تطلعات العالم في الحرية والعدالة الاجتماعية، فأصبح الغرب عبئًا على العالم، ولا يعامل الشرق بوجهين كما كان في الماضي، بل أصبح يعامله بألف وجه.
وعندما حاول العالم العربي التحرر من الاستبداد، تم إفشال الموجة الأولى من الربيع العربي بواسطة الغرب ووكلائه في الشرق والدولة العميقة، فأجهضت الحرية والديمقراطية في العالم العربي مرة أخرى، تركت مصر وتونس وأدخلت اليمن وليبيا وسوريا في أتون حروب أهلية لم تنتهِ حتى اليوم.
مؤامرات ضد الشعوب العربية
نفس المنطق ونفس الأسلوب الذي اتخذ ضد تطلعات الشعب العربي في الحرية والعدالة الاجتماعية، فإذا بمجموعات مؤيدة من الغرب بقوة تنقض على الربيع العربي بقوة المال والسلاح وتعيد العجلة مرة أخرى إلى الوراء، كي يفقد الشعب العربي حريته من جديد لتحقيق مآرب الغرب في شيوع الاستبداد مقابل الاستقرار.
وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي ترامب انقض هو وأنصاره على الديمقراطية الغربية وفي طليعتها الديمقراطية الأمريكية، إلا أن الساسة الأمريكان الذين ساهموا بشكل عملي في إدخال العالم في أتون حروب لا تنتهي وسعوا إلى تخلف العالم العربي، سعوا بكل ما يملكون من قوة إلى تدمير الموجة الأولى من الربيع العربي.
في نفس الوقت لم يعجبهم الربيع العربي بالمقلوب، الذي قام به ترامب وجماعته من الاعتداء على مبنى الكابيتول الذي يضم أعضاء الكونجرس والنواب المنتخبين من الشعب الأمريكي، لأن المصلحة الشخصية هي التي دفعت ترامب للقفز على كرسي السلطة، بعدما رأى ما يحدث حوله من أفعال المستبدين.
فكان السؤال الذي وجهه إلى نفسه ولما لا يجرب ويحول كما يفعل المستبدين في العالم، حتى يحتفظ بمنصب رئيس أمريكا أربع سنوات أخرى، يجمع فيه الكثير من المال من المستبدين، والكثير من الشهرة من قنوات التليفزيون.
كوارث ترامب في أمريكا
لم يلتفت ترامب ولم يأخذ في الاعتبار على محمل الجد، تحذير رئيس الأركان الأمريكي من أن الجيش الأمريكي أقسم يمين الولاء للدستور الأمريكي، في الوقت الذي يخرقون فيه كل دساتير العالم ويعتدون على حريته، من أجل الحفاظ على مصالح أمريكا في العالم.
وعندما قدَّم عشرة وزراء دفاع أمريكان سابقين، تحذير شديد اللهجة إلى كل من يهمه الأمر بعدم إدخال الجيش في اللعبة السياسية والخروج على الشرعية الدستورية الأمريكية، كان هؤلاء العشرة يتسابقون في دفع الحكام المستبدين في شتى أنحاء العالم، إلى كرسي السلطة حتى ولو هدمت الشرعية الدستورية والقانونية في بلادهم من أجل الحفاظ على مصالح أمريكا مع هؤلاء المستبدون.
حتى حكام أمريكا الخمسة الموجودين على قيد الحياة، والذين شاركوا في تدمير العالم بشكل عام والعالم العربي والإسلامي بشكل خاص، وقتل عشرات الملايين خرجوا يذرفون الدمع على ما آل حال الديمقراطية الأمريكية على يد ترامب وأنصاره.
موقف رؤساء أمريكا السابقين من ترامب
فأجمع حكام أمريكا الموجودين على قيد الحياة ومعهم وزراء دفاع سابقين ومشرعين في الكونجرس الأمريكي بكل طوائفهم وأعراقهم السياسية المختلفة على أن الاعتداء على مبنى الكابيتول من أتباع ترامب، كان يوم أسود في تاريخ أمريكا لأنه يمثل اعتداء على الديمقراطية العريقة التي تتبناها أمريكا وتتباهى بها بين دول العالم.
وبناء عليه فمن حق شعوب العالم المختلفة اتهام الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بأنها كانت وراء الاعتداء على الديمقراطيات الوليدة في العالم حفاظًا على مصالحها مع الأنظمة المستبدة والتي تدعمها أمريكا وتردخ لإرادتها بقوة المال والسلاح، والذي كان وما زال وسيظل يمثل يوم أسود في تاريخ هذه الشعوب، مثلما كان الاعتداء على الكونجرس يوم أسود في تاريخ أمريكا، ضاربة عرض الحائط بآمال الشعوب في الحرية والعدالة الاجتماعية.
إنه النفاق الأمريكي المتوحش والمعشش في عقول وقلوب المشرعين الأمريكان منذ مائتي عام على وجودها والذي ظهر فجأة على أشده عندما أراد ترامب هدم معبد الديمقراطية على رؤوسهم، أمَّا هم فقد هدموا معبد الديمقراطية على رأس العالم منذ ظهورهم وحتى 2021، وعاثوا في الأرض فسادًا.
فهل يستوعب الأمريكان الدرس ويعودون إلى رشدهم، أم سيظلون في غيهم سائرون إلى أن ينهار معبد الديمقراطية المزيف على رؤوسهم، كما كانوا سبب في انهياره على مستوى العالم.
فهل يرضخ النظام الأمريكي الجديد لإرادة وحرية الشعوب في العالم في انفراجة جديدة تتعهد فيها بالوقوف مع ديمقراطية الشعوب والوقوف في وجه الأنظمة المستبدة حتى ترضخ لشعوبها من خلال صندوق الانتخاب الحر النزيهة وليس المزيف، حفاظًا على ديمقراطيتها وتعزيز للديمقراطيات حول العالم.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر