(43) إن الدين عند الله… الإسلام
كم من الأمم عاشت في الحياة وما عاشت ثم ماتت واختفت من الحياة ؟.. وكم من الحضارات تقدَّمت وما تقدَّمت في العمارة والبنيان ثم اندثرت واختفت تحت التراب؟
وكم من البشر جاءوا إلى الدنيا وماجاءوا ثم تركوها وماتوا في لحظات، حتى لو عاش الواحد منهم ألف سنة، مع أن هذا من رابع المستحيلات.
فذهب الجميع “الأمم والحضارات والبشر” إلى الفناء المؤقت، بلا عودة إلى الدنيا الفانية، دون عبرة لمن سبق وعبر أو عظة لمن جاء وجبر من الماضي السحيق، الذي فات وغدر أو الحاضر المبهم بلا عبر أو المستقبل الغامض، الذي هو آت على قدر.
فسيف الحياة والموت يُطارد الجميع ويجري وراء الجميع ويعرف الطريق والعنوان، فهو مسلط على الإنسان بقدر، منذ أن انطلقت أول شرارة في أول لقاء بين البويضة والحيوان المنوي داخل الرحم، مكونًا أول خلية مخصبة في حياة الإنسان من ساعتها.
فكل محاولات الإنسان المضنية واليائسة والبائسة للبقاء على قيد الحياة، ما هي إلا سوى خطوات سريعة مبرمجة للإنسان في طريقه إلى الموت والفناء، لكن من يسبق من الموت أم الحياة؟
فالحياة عنوانها الروح في البعث والموت عنوانه الجسد في الفناء وكلاهما الروح والجسد، يُشكلان النفس الإنسانية، التي تملك وتمتلك الحياة وعندما تخرج الروح يفقد الجسد الحياة ويذهب إلى التراب، فيصبح تراب مثل كل الذي سبقه إلى التراب.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالإنسان في حيرة من أمره بين ماضي مجهول قد ولى وحاضر مبهم يعيش فيه ومستقبل غامض ينتظره وهو محشور بين قوسي الحياة والموت، وليس له إلَّا الإيمان بالله، الذي خلق الماضي والحاضر والمستقبل، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر