(57) إن الدين عند الله… الإسلام
كما أن هناك إعجازًا كبير في التقاء الروح بالجسد ومعهما يبدأ الإنسان مسيرته ورحلته الغامضة في الحياة، فإن الإعجاز الأكبر يتمثل في مفارقة الروح للجسد، والتي بعدها يبدأ الإنسان مسيرته ورحلته إلى الآخرة والتي يلفها الكثير من الغموض.
وهنا يكمن التحدي في خلق الإنسان وفي تركه للحياة، فيتحدى الموت الحياة بإعجاز لا نظير له ولا مثيل، ويمر بمراحل متعددة كلها غموض في غموض، فلا يمكن معرفة شيء على وجه الإطلاق عن مغادرة الإنسان الحياة، كما أنه لا يمكن معرفة شيء عن وجوده فيها.
وما بين الغموضين في الدنيا والآخرة، يقف الإنسان عاجز بعلمه وفكره في تفسير ظاهرة الحياة في الموت وظاهرة الموت في الحياة، ويعيش الإنسان في حيرة من أمره على أمل أن يعرف شيء عن الحياة والموت، فلا يرى إلا عدم في عدم، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الإنسان بعد موته
وبعد أن يموت الإنسان بلحظات ويترك الدنيا، يسحب الله منه كل المخصصات وكل التراخيص التي ملكها إياه وأعطاه له منحة منه في الدنيا، فيكون أول هذا المخصصات التي تسحب من الإنسان، فراق الروح للجسد، فيعود كل واحد منهما إلى أصله.
فالجسد يعود إلى التراب فيصبح تراب والروح تعود إلى خالقها الله، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
ثم يتوالى تباعًا على الإنسان مراحل الانتقال السريع من الدنيا إلى الآخرة بالتدريج، فيتم سحب كل المخصصات وكل المنح وكل التراخيص من الإنسان، فكل شيء ملكه الله للإنسان في الدنيا، تعود ملكيته إلى الله مرة أخرى، ويبقى الإنسان وحيدًا كما جاء وحيدًا، فلا أسرة ولا زوجة ولا أولاد، ولا أهل ولا أصحاب ولا جيران، ولا مال ولا منزل ولا سلطة ولا جاه ولا منصب ولا ملك ولا علم ولا صحة ولا مرض، ولا غنى ولا فقر ولا متاع ولا كبير ولا صغير، و.. و.. و..، فالكل سواء في العطاء والمنع.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فكل المخصصات والتراخيص التي منحها الله للإنسان تسحب منه تباعًا عند مغادرته للحياة، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد