(1) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
خُلق الكون في الدنيا من الانفجار العظيم الأول في ذرة من الهيدروجين، وخلق الإنسان من الانفجار العظيم الثاني من اختراق الحيوان المنوي للبويضة، وكلا الانفجارين كانا سببًا في وجود الكون والإنسان، ولكن كان للكون انفجار واحد، وكان للإنسان انفجارات متوإلية ومتتإلية في الدنيا بعمر الإنسان فيها إلى أن تنتهي الحياة.
ولكن كان الانفجار الأول ذائع الصيت، يتحدث عنه الناس بشكل عام وعلماء الطبيعة بشكل خاص، وغاب عن الجميع أن الانفجار الثاني المتعلق بخلق الإنسان في الرحم، هو أعظم قوة وأكثر تأثيرًا في حياة الكون من الانفجار الأول، لأنه متعلق بحياة الإنسان الخليفة ومتعلق بعمارة الكون ومعرفة الله خالق الكون وخالق الإنسان.
فعندما يأتي الإنسان إلي الدنيا والحياة، يأتي إليها من خلال عملية معقدة في الخلق والتكوين في الرحم، لا يفهم الطب معناها ولا يستوعب مغزاها، ولا يعرف عنها سوى معلومات قليلة ومعرفة بسيطة محدودة، وقشور سطحية لا تسمن ولا تغني من العلم شيء، وفي ذروتها تبدأ ثورة عارمة، يقودها الحيوان المنوي في بحثه عن البويضة الأنثوية، كي يقوم بتخصيبها.
خلق الجنين في الرحم
إيذانًا من الله وإعلان منه، بخلق الجنين داخل الرحم، من خلال إنتاج خلية واحدة مخصبة، وكأن الرحم يتعرض لإعصار هائل وهزة عنيفة وبركان وتسونامي، يصل إلى مستوى الزلزال الذي يُزلزل أقطاب الرحم وأركانه، حتى يكون البذرة الأولى لخلق الإنسان من نطفة من الأمشاج المختلطة، التي يتخلق منها الجنين داخل الرحم، في مراحله الأولى.
قال تعالى: “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” (الإنسان: 2).
وكأن بداية تخليق جنين داخل الرحم، وحدوث تفجير هائل بمثابة طوفان عارم، لا يمكن عده أو وصفه ولا تصوره ولا حتى تخيله، وكأنه يشبه الانفجار العظيم، الذي نتج عنه خلق الكون في التأثير والتنظير وفي القوة والتنظيم والشكل والتكوين، والذي خلقه الله به الكون منذ خمسة عشرة مليار سنة.
كان خلق الجنين داحل الرحم بمثابة انفجار هائل وعظيم، تمخض عنه خلق هذا الجنين الكامل، والذي يُسمى إنسان، ثم يخرج هذا الجنين إلى الحياة من خلال مهبل أمه، بقوة وإعصار شديدين يجبر الرحم على طرده ودفعه إلى خارجه بعد اكتمال نضجه وتكوينه، في المبنى والمعنى.
مراحل الخلية المخصبة داخل الرحم
وفي الرحم تنتقل الخلية المخصبة الواحدة من عمرها الجنيني، من مرحلة إلى مرحلة تلو الأخرى تحت عين الروح، دون معرفة حقيقية بوجودها ولا كيفية وصولها إلى الجنين، في سلسلة متصلة الحلقات، حتى يصل حجم الجنين إلى 4 كيلو جرام، وفيه أربعة تريليون خلية.
من خلية مخصبة واحدة إلى أربعة تريليون خلية مادية في داخلها الروح، التي تبعث فيها الحياة، فكل خلية تتموضع في مكانها وموضعها، حسب شكلها وتكوينها ووظيفتها داخل الجنين في المبنى والمعاني، وهذه الخلايا تكمل مسيرتها مع الجنين داخل الرحم حتى يكتمل تكوينه، وتكمل مع الجنين مسيرة الحياة في الحياة بعد الخروج من الرحم إلى نهاية الحياة الدنيا وبداية الحياة الآخرة.
فالانفجار الأول في الكون نتج عنه كون بكواكبه ونجومه ومجراته، فيه حوالي ثلاثة تريليون مجرة كل مجرة بها تريليون كوكب ونجم، بينما الانفجار الثاني في الرحم، نتج عنه جنين به أربعة تريليون خلية، كل خلية بها مائة تريليون ذرة، وكل ذرة من الممكن أن تنتج كون بسماواته السبعة وأرضية السبعة.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالدنيا بدأت بالانفجارين العظيمين اللذين تمخضا عنهما ولادة الكون وولادة الإنسان.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
2 تعليقات