(10) الإنسان… بين الدنيا والآخرة
من أجل ذلك كانت الإشارة في القرآن الكريم إلى أهمية وجود الفئة القليلة المؤمنة من البشر، فكانت دائمًا قلة قليلة على مدار الزمن.
قال تعالى: “قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 249).
وهذه الجماعة المحمودة من البشر، هي التي استقامت على أمر الله في الطاعة والنهي، فعبدته حق العبادة، فكانت على الصراط المستقيم.
قال تعالى: “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (الأنعام: 153).
أما المجموعات الكثيرة من البشر فكانت الفئة المذمومة، والتي تكون على طريق الضلال لبعدها عن سبيل الله وشقها طريق الشيطان.
قال تعالى: “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ” (الأنعام: 116).
وهذه الفئة المذمومة، فئة ضائعة ومنبوذة من نفسها ومن الكون الذي تعيش فيه، بعد أن أغضبت ربها فعصته واتخذت الشيطان وأتباعه من الإنس والجن أولياء من دول الله، بعد أن صدق عليهم إبليس ظنه، فاتبعوه في الدنيا بعد أن أغواهم بجاهها وسلطانها ومتاعها القليل.
ثم تخلى عنهم في الآخرة بعد أن أضاع عليهم دنياهم ومعها آخرتهم.
قال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ” (إبراهيم: 22).
وما بين الفئة المحمودة والفئة المذمومة يتمركز الهوى والنفس الأمارة بالسوء والشيطان، فتجعل من الإنسان الضعيف فريسة لأهوائه، فيقع في حبائل الشيطان ومعه نفسه الأمارة بالسوء، بعد أن غاب عن وعيه الحساب القادم على أعماله العدائية والعدوانية تجاه نفسه وتجاه الآخرين.
وبعد أن أوقع الإنسان الساذج والتافه نفسه في شر أعماله وغرته الدنيا، فنسي الله وارتكب كل الموبقات فنسي نفسه ولم يحاسبها على ظلمها وغرورها، وخروجها على الصراط المستقيم.
قال تعالى: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (الحشر: 19).
بعد أن نسج الشيطان حبال المعصية حول أعناقهم، وتمكن من اصطيادهم في شباكه، من سوء أعمالهم فوقعوا في حبائله مذلولين ومهانين، يطاردهم العار ولم يتذكروا لحظة ربهم الذي خلقهم من عدم وأمدهم من عدم.
قال تعالى: “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة: 19).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فالقلة الناجية والكثرة الهالكة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر