(1) الفراعنة… في القرآن الكريم
كان إدريس حفيد شيث ابن آدم عليهم السلام، يعيش في مصر حسب الروايات التاريخية للأحداث، ونوح حفيد إدريس عليهما السلام، وسميت مصر نسبة إلى حفيد نوح، مصرايم بن بنصر ابن حام ابن نوح.
معنى هذا أن بذرة التوحيد بدأت في مصر مبكرًا، على يد إدريس عليه السلام، ثم انتقلت إلى مصرايم حفيد نوح عليه السلام، ثم انتقل التوحيد من مصرايم وأبناءه الأربعة وعلى رأسهم أشمون إلى أحفاده من الفراعنة.
كان اسم الله الأعظم يتردد صداه في كل ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، في قراها ومدنها بشكل عام، وفي مركز السلطة والمال سواء في بيت الفرعون، في عواصم مصر المختلفة في منف وطيبة وتل العمارانة وصان الحجر وغيرها وفي الفيوم.
وقد سجل القرآن الكريم بحروف من نور اسم الله الأعظم، على لسان البيت الفرعوني في الرجل المؤمن من آل فرعون وآسية زوجة فرعون وماشطة ابنة فرعون وزوجها وأولادها وقوم قارون وسحرة فرعون ويوسف وموسى وهارون علهم السلام وهاجر عليها السلام وجرهوم.
وكانت هذه الطوائف السبعة تمثل قاعدة التوحيد العريضة في عهد الفراعنة على امتداد حكمهم الذي دام ثلاثة آلاف سنة ولم يشذ عنها إلا سبعة طوائف، فرعون وهامان وقارون والملأ من آل فرعون المستفيدين من وجود الفرعون في السلطة وجند فرعون وكهنة المعبد الفرعوني والأمن الشخصي للفرعون.
وفي عهد الفراعنة ظل التوحيد، قائم في مصر على قدمٍ وساق بين المصريين إلا أن آل فرعون والملأ من القوم، انحرفوا عن عقيدة التوحيد وبدلًا من إعلان الولاء لله وحده، عبدوا الأصنام وتعددت عندهم الآلهة إلى أن وصل عددهم إلى ثلاثة وأربعين إله، وعندما خرج فرعون مصر عن حدود اللياقة والأدب مع الله، ادعى الألوهية، فقال أنا ربكم الأعلى، فكان هذا الانحراف الهائل في فكر الفراعنة نكبة عليهم، فنكل الله بهم وعذبهم في الدنيا والآخرة.
فالرجل المؤمن من آل فرعون كان يؤمن بوجود الله ويدعو إلى الإيمان به، ولكن طغيان فرعون وفساده جعل منه آله يأمر وينهي ويهدي إلى سبل الرشاد.
قال تعالى: “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ إلىوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ” (غافر: 28- 29).
قوم قارون نموذج للتوحيد بالله
ومع أن القاعدة العريضة من المصريين كانت تؤمن بوجود الله، وكانت على التوحيد كان قوم قارون نموذج للتوحيد بالله وكان اسم الله الأعظم يتردد صداه في الفيوم.
قال تعالى: “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إليكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص: 76- 77).
وقال تعالى: “وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (القصص: 80- 82).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد أن التوحيد كان أيقونة المصريين في عصر الفراعنة، في الوقت الذي ادعى فيه فرعون مصر الألوهية.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر