(6) الفراعنة… في القرآن الكريم
هناك من اعتقد أن الموكب الجنائزي للفراعنة يمثل أسطورة فنية لآل فرعون، أظهروا فيها براعتهم في كل فنون العلم والمعرفة، وعلى الجانب الآخر، هناك من يعتقد أنها تمثل فضيحة كبرى ولعنة عظمى للفراعنة بكل المقاييس، فلم يكن الهدف من الدعوة إلى آثار الفراعنة في جلب السياحة من أنحاء الأرض.
ولكنها النكاية المغلفة في آل فرعون وملوكهم ومومياواتهم والسخرية منهم والاستهزاء بهم، والحط من مكانتهم والإقلال من شأنهم، حتى يدرك الناس أن كل من يتطاول على الله، سيكون مصيره “فضيحة بجلاجل” في الدنيا، وعذاب شديد في ذات نفسه ومكوناته التي حنط بها نفسه حتى يستمر عذابه في قبره، وفي الآخرة سوف تكون فضيحة الفراعنة أعم وأشمل وأكمل أمام كل البشر من خلق آدم إلى قيام الساعة، ساعتها ستكون الفضيحة للفراعنة لا شبيه لها ولا نظير ولا مثيل.
الأمر المدهش في الموكب الجنائزي لملوك الفراعنة، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن الفراعنة، قد خلفوا آثارًا عظيمة لحضارة عاشت أكثر من ثلاثة آلالف سنة، وتركوا إرثًا ضخمًا لا نهاية له، وسيظل العالم يتحاكى بها ويحكي عنها هكذا، إلى قيام الساعة ولن تنضب هذه الآثار، بالرغم من حجم السرقات الهائلة والصخم الذي طالها، فحول لصوصها إلى مليارديرات ورجال أعمال كبار.
متاحف العالم
وإلى درجة أن كل متاحف العالم بشكل عام ومتاحف الغرب بشكل خاص مليئة عن آخرها بآثار الفراعنة، التي أذهلت العالم ودخلها لهم فاق كل التوقعات، بعد أن وصل دخل المتاحف بعشرات المليارات ولم تستفد منها مصر شيء يذكر إلا النذر اليسير، وكان الفرق الكبير في دخل الآثار المصرية في التفكير هنا وهناك.
ولكن الأمر الأكثر دهشة من كل ذلك، في كل ما يتعلق بالفراعنة وتاريخهم وحضارتهم، في استعراض الآيات القرآنية عن الفراعنة وبني إسرائيل، والذي استحوذ على أكثر من 60% من آياته، مما يؤكد صدق محمد صلى الله عليه وسلم، في البلاغ عن الله الذي لم يزر مصر في مرة في حياته، إلا في ليلة الإسراء والمعراج، حيث صلى ركعتين في طور سيناء، برفقة جبريل عليه السلام.
ومن الملاحظ أنه كان لأبعاد مصر الأربعة، الدور المركزي في فهم الفراعنة لمكانة مصر، ودورها المحوري وسط العالم، مما جعل من مصر القوة الأولى في العالم القديم، ولم يتمكن من استخدام هذه الأبعاد الأربعة سوى الفراعنة في البعد الجغرافي والبعد التاريخي والبعد الحضاري والبعد البشري، فتمكنوا بها من صياغة حاضر العالم القديم ومستقبله باستغلالهم هذه الأبعاد الأربعة بشكل مبهر، فكان لهم دور مركز في صناعة التاريخ وكانت إشارة القرآن الكريم إلى الفراعنة ودورهم في إثراء الحضارة الإنسانية، واضح في تاريخهم وظاهر للعيان بالرغم من الاستبداد الفرعوني وطغيانه وادعاءه الألوهية.
فالعبرة التي يجب استنباطها من بقاء الفراعنة في السلطة على مدار ثلاثة آلاف سنة، والتي تؤكد انهيار هذه الحضارة العظيمة، التي لم تتمكن من صيانة نفسها والحفاظ على وجودها، دليل دامغ على فشل الملك العضوض والملك الجبري ويعد انهيارها تم احتلال مصر لمدة ثلاثة آلاف سنة أخرى، تحت حكم الامبروطوريات المختلفة والمتعاقبة.
وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى منطق سيادة منطق السادة والعبيد، الذي حكم به الفراعنة مصر عبر تاريخهم في السلطة، فلم تنفعهم حضارتهم ولم ينفعهم نقاء جنسهم الملكي، بعد أن كانت اليد الطولى للملأ من الفراعنة حول السلطة، مع انتشار الفساد والظلم والطغيان وانتهت بادعاء الألوهية ثم الانهيار واحتلال البلاد.
الاعتبار من الموكب الجنائزي للفراعنة
ومن ثمَّ فالمهم الاعتبار وفهم حقيقة ما حدث للفراعنة والأخطاء القاتلة التي وقعوا فيها، وكان على رأسها الفساد والظلم والطغيان مواريث الأنظمة الفاشية، ثم تعدى كل الخطوط الحمراء، فادعى فرعون مصر الألوهية، فكان السقوط المدوي ثم الاحتلال، ثم فضيحتهم على رؤوس الأشهاد إلى قيام الساعة.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد صدق القرآن الكريم في الحديث عن الفراعنة وصدق محمد صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله، الذي لم يزر مصر مرة في حياته، إلا في ليلة الإسراء والمعراج، حيث صلى ركعتين في طور سيناء، برفقة جبريل عليه السلام.
وفي نفس الوقت فيه تحذير شديد اللهجة من الله، للمصير المخزي لكل من أهمته السلطة، ومن شغله جمع المال، فالفراعنة ملكوا السلطة والمال على مدار ثلاثة آلاف سنة، ومع ذلك تبخر كل شيء في لحظات، ولم ينالوا سوى العقاب واللعن والطرد من رحمة الله وخسران الدنيا والآخرة.. فهل من متعظ يتعظ أم أن كثيرًا من الناس غافلون عن آيات الله؟
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر