(71) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
ذُكرت الملائكة ونورانيتها وأشكالها في القرآن الكريم، في ثمانية وثمانين موضعًا، من آياته، مصداقًا لقوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) النجم 26.
والملائكة، لا يُعرف عددهم ولا عدتهم، إلا الله سبحانه وتعالى، فالأربعة الكبار المعروفين، جبريل عليه السلام أمين الوحي، وحامل الرسائل من الله سبحانه وتعالى، إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وميكائيل الموكل بالغيث والمطر، وعزرائيل ملَك الموت وأعوانه، الموكل بقبض أرواح البشر، وإسرافيل وهو الموكل بالنفخ، في الصور يوم القيامة، ثم الملائكة الكرام الكاتبين، وهم الموكلين بكتابة أعمال البشر من خيرٍ وشرٍ.
جاء ذكر جبريل عليه السلام، في الكثير من الآيات القرآنية، بشكل عام مع عامة الملائكة، وجاء ذكره بشكل خاص مع نزوله بالوحي، على الأنبياء والمرسلين، مما يؤكد أنه أكثرهم علمًا، وأعظمهم قدرًا، وأرفعهم مكانة، وأعلاهم شرفًا، وأصفاهم فضلًا، وله شأن عظيم، ومكانة كبرى، ومنزلة عظمى، عند الله سبحانه وتعالى.
وكل هذه الصفات العظيمة، والمناقب الجليلة، والمعاني الجميلة، والألقاب الحميدة، والألفاظ الرفيعة، عالية القدر، هي التي تميز بها سكان الملأ الأعلى بشكل عام، وجبريل عليه السلام بشكل خاص، جمع فيها جبريل عليه السلام، كل صفات ومناقب الملأ الأعلى، من الصدق والأمانة، والالتزام والطاعة لأوامر ربه، عوضا عن الحب والخير والحسن والجمال الذي يتميز بهم، ويتفوق فيهم عن غيره
وكل هذا أهَّلَه لأعظم مهمة في الوجود، فخصه الله سبحانه وتعالى، بنزول القرآن الكريم، على محمد صلى الله عليه وسلم، في ليلة عظيمة الشأن والقدر، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)) القدر 1- 5.
الحديث عن الملائكة
وهذا أمر في غاية الأهمية، في الحديث عن الملائكة والجن والإنس، وفيه إشارة من الله سبحانه وتعالي، إلي أنه خلق خلقًا جميلا علي غرار الملائكة، وخلق غيره علي غرار الإنسان والجن، فإذا كان في كل من الإنس والجن مجبول علي الكذب والمكر والخداع، وعلي طابع الخسة والنذالة والحقارة، ويتميز بالإنتهازية والأنانية والجشع، والوضاعة والنفاق والإحتيال، بحثا عن المصلحة الشخصية، حتي ولو كانت مؤقتة وعابرة، بعمر الدنيا، فإن الله سبحانه وتعالي، قد خلق نموذج رائع من الملائكة، فيها كل الصفات الجميلة، والمفترض في الإنس والجن، أن يرتقي الي أخلاق الملائكة، فيكون كل من الإنس والجن مخيير في إطار التسيير مثل الملائكة الكرام.
هذا التباين في الخلق، بين الملائكة والإنس والجن له مغزي كبير ومعني عميق وجليل، يشير إلي قدرة الله سبحانه وتعالى، في خلق الملائكة بصفات الجمال والكمال المطلق، وخلق الإنس والجن بدونهما، وهو ما يؤكد علي قدرة الخالق سبحانه وتعالي في تقنية خلقه للملائكة من ناحية، وخلقه للإنس والجن من ناحية أخري، وكان الهدف من نزول القرءان الكريم، أن يرفع من مكانة الإنسان في ثوبه البشري ومعه الجن، الي منزلة ومكانة الملائكة، في ثوبها النوراني، فتخلص كلا من الإنس والجن من القاذورات التي علقت بهما، بسبب الإختيار، وتأخذ بهما الي منزلة الملائكة، التي قبلت علي نفسها في أن تكون مسيرة مثل باقي الكائنات.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر