(77) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
كان المفروض أن تكون أحرف القرآن الكريم، مكتوبة بالأحرف النورانية، المعبرة عن المراحل النورانية الخمس التي مر بها نزوله من الملأ الأعلى، ولأن القرآن الكريم، يمثل روحًا تبعث في المخلوقات الحياة، كما تبعث الروح في الجسد الحياة، فسماه الله بالروح.
قال تعالى: (وكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الشورى 52.
أحرف القرآن الكريم
لكن لماذا لم تظهر روح القرآن الكريم، في حروفه المادية، فيراها الإنسان عند كتابته أو قراءته للقرآن الكريم، فتظهر حروف مادية في قالب نوراني، ولكن عدم ظهور القالب النوراني في أحرف وكلمات القرآن الكريم، دليل على عدم مقدرة الأنسان على رؤية الحروف النورانية إلا في قالبها المادي.
وهذا أمر مدهش للغاية، في أن نرى مادية الحروف أمام أعيننا، ولا نرى نورانية الحروف التي نزل بها القرآن الكريم، في مراحله الخمس النورانية، فأحرف القرآن الكريم، تظهر في ثوب نوراني وعليه قشرة مادية متمثلة في الأحراف التي نكتبها ونقرأها في القرآن الكريم.
فكيف كان يتعامل جبريل عليه السلام الملك النوراني، مع أحرف القرآن الكريم المادية؟ وكيف كان يراها وينظر إليها ؟ فهل كان يراها مادية أم كان يراها نورانية؟،أم كان يراها خليط من المادية التي تغلب عليها النورانية،أم خليط من النورانية التي تغلب عليها المادية،؟ أم مزيج من المادي النوراني، والنوراني المادي، وهل كان محمد صلى الله عليه وسلم يقرأها مثل جبريل عليه السلام، إنها تباديل وتوافيق لها أول وليس لها آخر.
نزول القرآن
بل إن غاية الدهشة، في نزول القرآن الكريم، أن تري الحرف مادي ولا تراه نورانيا، بالرغم من أن النورانية مغروسة في حروفه، ولكن لانراها بالرغم من الأشارات القرآنية في الكثير من الآيات، والتي تتحدث عن نورانية القرآن الكريم وروحه القرآنية.
فكما أن هناك تحديًا خارقًا للعادة في وجه البشر له حدود، غير مسموح فيه للبشر تخطيها، إلا في حدود المسموح به، في خلق الكون وخلق الإنسان، فالبرغم من أن الظاهر هو مادة الكون ومادة الإنسان، إلا إن الباطن هي الروح التي تدير الكون وتدير الإنسان، ولكن يمثل الكون والإنسان، خلقًا من مخلوقات الله فيها الصيانة الذاتية، على مدار اللحظة، وإلا انقرض الكون وانقرض الإنسان.
التحدي الأكبر
فإن التحدي الأكبر والأعظم، في فهم مرادات الله سبحانه وتعالى عن القرآن الكريم، كلام الله، الذي أخفى روح القرآن الكريم، في حروفه ولم يظهرها للبشر، فالبرغم من أن القرآن الكريم كلام الله نزل وفيه صيانته الذاتية المطمورة في ذات أحرفه، قبل نزوله، إلا إن روحه مغروسة في ماديته ومسيطرة عليه، دون أن تظهر على السطح.
لكن الأغرب من كل ذلك، والأشق علي فكر الإنسان وتصوره، هو في هل يري الكون القرآن الكريم على حقيقته بنورانيته، مثلما يراه الإنسان على حقيقته بماديته، أما يراها الكون بطريقة مغايرة لرؤية البشر له، ولا يراه بماديته مثل البشر؟، فالكون مخلوق نوراني، وحدود المادة فيه محدود إلى درجة العدم، مما يعني أن الكون يتغنى بنورانية القرآن الكريم ويصدح بها.
لكننا نحن البشر، لانستطيع فهم مرادات الكون وما فيه من مخلوقات، إلا إذا تعدت وسائل الإدراك الوسائل التقليدية مثل ما حدث مع نبي الله سليمان مع النملة.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عليوَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)) النمل 15- 19.
الحديث مع الهدهد
أو في الحديث مع الهدهد، قال تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) النمل 20-26.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
2 تعليقات