(109) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
من خلال التسلسل المنطقي للأحداث والفهم العملي الواقع على أرض الواقع، في خلق وجمع الكون والإنسان، والمنطلق العلمي المبني عليه وجود الكون والإنسان، خلق الله سبحانه وتعالى، الخلق وجمعهم بشكل يتناسب مع وظيفة كل مخلوق عنده قبل خلق الكون وقبل خلق الإنسان وسائر المخلوقات، ثم خلق الكون والإنسان وسائر المخلوقات وجمعهم في الحياة الدنيا، ثم يعيد خلق الكون وخلق الإنسان وسائر المخلوقات وجمعهم في الحياة الآخرة، وهذا معناه أن الخلق والجمع، حدث في الدوائر الثلاثة المتعلقة بحياة الكون والإنسان.
فكانت الدائرة الأولى قبل الخلق، وكان فيها الله سبحانه وتعالى ولا شيء معه وفي الدائرة الثانية في الخلق، خلق وجمع فيها الكون والإنسان وجميع المخلوقات في الدنيا وفي الدائرة الثالثة بعد الخلق في الحياة الآخرة، وفيها سيتم إعادة الخلق وجمعهم مرة أخرى.
وهذه الدوائر الثلاثة هي التي تتحكم في مصير الكون والإنسان ومرتبطة ببعضها ارتباط وثيق، فلا غنى لدائرة عن الدائرة الأخرى، قبل الخلق وفي الخلق وبعد الخلق، فكان العامل الأساسي والمشترك بينهم جميعًا، هو في عملية الخلق والجمع والذي يمثل سر عظيم من أسرار الخالق الله سبحانه وتعالى.
لذلك تضمنت سورة الفاتحة مضامين عن هذه الدوائر الثلاثة الكبرى، لذلك سميت بالسبع المثاني، التي تعدل القرآن العظيم.
قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ علىهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ علىهِمْ وَلَا الضَّالينَ” (الفاتحة: 1- 7).
ومن هنا، فإن كل الملاحظات العلمية والعملية، تنحصر حول الحديث عن الدائرة الثانية في الحياة الدنيا وعلاقة الكون والإنسان وما فيه من مخلوقات ببعضها البعض الآخر، والتي خلقت قبل خلق الإنسان، مثل الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات والميكروبات والفيروسات والفطريات والطفيليات، ثم اكتملت دائرة الخلق في الكون بخلق الإنسان من تراب.
وكل الاستنباطات الموجودة في الكون، سواء كان في خلق الكون وجمعه بما فيه من مخلوقات بشكل عام، وفي خلق الإنسان وجمعه بشكل خاص، تؤكد أن الله سبحانه وتعالى، قد خلق كل شيء في الكون وجمعه، فخلق السماوات السبعة وما فيها من مخلوقات وجمعها بشكل متكامل، بلا عيب فيها ولا نقص ولا قصور ولا خلل ولا فطور، قبل خلق الإنسان بمليارات السنوات.
فالله سبحانه وتعالى، خلق كل شيء في الأرض وجمعه بعد خلقه في أفضل وأحسن صورة وفي أجمل ما يكون وجمع فيها كل مقدراتها اللازمة والضرورية لوجود الحياة فيها، من اليابسة في الجبال والوديان ومن الماء في الأنهار والبحار والمحيطات قبل خلق الإنسان بمليارات السنوات.
والله سبحانه وتعالى، خلق كل المخلوقات وجمعها جميعها في الأرض، اللازمة للحفاظ على الحياة فيها، قبل خلق الإنسان بمليارات السنوات.
خلق آدم
فإن الله سبحانه وتعالى، قد خلق آدم من ذرات من التراب وجمعه في مراحله المادية الأولى المختلفة من تراب وماء وطين وحمأ مسنون وصلصال وصلصال كالفخار، ثم نفخ في الصلصال كالفخار، فتحول من جماد إلى نفس بشرية في صورة آدم عليه السلام ثم خلق حواء وجمعها من آدم خارج الرحم، قال تعالى: “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ” (ص: 71).
ثم في داخل الرحم، خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من خلية واحدة مخصبة، ثم جمعه من الجسيمات الأولية لتكوين الذرة، ثم جمع الذرات مع بعضها البعض الآخر، لتكوين الخلية ثم جمع الخلايا مع بعضها البعض الآخر لتكوين النسيج، ثم جمع الأنسجة مع بعضها البعض الآخر لتكوين الأعضاء، ثم جمع الأعضاء مع بعضها البعض الآخر لتكوين الأجهزة، ثم جمع الأجهزة مع بعضها البعض الآخر، لتكوين الإنسان المادي بجسده، ثم جمع حياة الإنسان ببعث الروح فيه، فكان إنسانًا سويًّا من مادة وروح، كل هذا الخلق والجمع تمَّ داخل الرحم دون أن يتدخل فيه أحد ودون مساعدة من أحد، ولكن خلقه وجمعه الله سبحانه وتعالى بكن فيكون.
ثم جمع حياة الإنسان في الدنيا بشكل مبهر وهو ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى مختلفة في حياته الدنيا، فجمع حياته وهو طفل رضيع عند سنتين، ثم جمع حياته وهو طفل عند سبعة سنوات، ثم جمع حياته وهو صبي عند عشر سنوات، ثم جمع حياته وهو فتى عند اثنى عشر سنة، ثم جمع حياته وهو مراهق عند أربعة عشرة سنة، ثم جمع حياته وهو بالغ عند سبعة عشرة سنة، ثم جمع حياته وهو شاب عند تسعة عشرة سنة، ثم جمع حياته وهو رجل من عشرين إلى أربعين سنة، ثم جمع حياته وهو كهل من أربعين إلى ستين سنة، ثم جمع حياته وهو شيخ من ستين إلى ثمانين سنة، ثم جمع حياته وهو في أرذل العمر بين ثمانين إلى مائة سنة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر