(128) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
فالله سبحانه وتعالى، أنزل التوراة على موسى عليه السلام وجمعها، جملة واحدة في لحظة التجلي في جبل الطور، والله سبحانه وتعالى جمع الإنجيل لعيسى عليه السلام جملة واحدة في بطن أمه، واذا كان ذلك كذلك، فإن الله سبحانه وتعالى، هو الذي أنزل القرآن الكريم وجمعه، بعد نزوله مفرقًا، على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
فالتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام في جبل الطور، كتبها الله سبحانه وتعالى وأعطاها لموسى عليه السلام في الوادي المقدس طوى.
قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الأعراف 145
والإنجيل جمعه الله سبحانه وتعالى وعلمه لعيسى عليه السلام، في بطن أمه وتكلم عيسى عليه السلام، بالإنجيل عند ولادته بعد أن جمعه الله له، وعلمه اياها، وهو في بطن أمه.
قال تعالى: (وَقَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَ فِيهِ هُدٗى وَنُورٞ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ) المائدة 46.
فنؤمن، بأن الذي كتب التوراة وجمعها، هو الله سبحانه وتعالى، ولا نؤمن أن الذي كتب القرآن الكريم وجمعه، هو الله سبحانه وتعالى، بالرغم من محدودية نسيج التوراة، الذي كتب في ستة الواح، بعدد محدود من الأحراف والكلمات، بينما نسيج الاحراف التي نسج منها أحرف وكلمات وآيات وسور القرآن الكريم ، ثلثمائة وعشرون الف وخمسة عشر حرف (32015 حرف)،وسبعة وسبعون وأربعمائة وتسعة وثلاثون كلمة (77439 كلمة)، وستة الاف ومائتين وستة وثلاثون آية (6236 آية)، ومائة وأربعة عشرة سورة (114 سورة).
موسى عليه السلام
فمن الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام في جبل الطور؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ومن الذي كتب التوراة لموسى عليه السلام في جبل الطور؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ومن الذي قرء التوراة لموسى عليه السلام في جبل الطور؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ومن الذي جمع التوراة لموسى عليه السلام في جبل الطور في ستة الواح؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
فهل كتابة وجمع التوراة، أعز على الله سبحانه وتعالى، من كتابة وجمع القرآن الكريم بعد نزوله، فيجمع الله سبحانه وتعالى، التوراة لموسى عليه السلام، دوان واسطة من جبريل عليه السلام، ثم يترك القرآن الكريم، لكل من جبريل ومحمد عليهما السلام لكتابته وجمعه، أم أن الذي كتب القرآن الكريم وقرءه وأنزله وجمعه بعد نزوله، هو الله سبحانه وتعالى، كما أنزل التوراة وكتبها وقرأها وجمعها.
فنزول التوراة مباشرة، على موسى عليه السلام، دون وجود جبريل عليه السلام، تمثل في حد ذاتها سابقة، تؤكد على أن الذي أنزل القرآن الكريم، وكتبه وقرءه وفرقه وجمعه، هو الله سبحانه وتعالى، وليس أحد سواه، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنزل التوراة وقرءها وكتبها وجمعها لموسى عليه السلام.
القرآن الكريم
أليس من الأولى ومن الأفضل، أن ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، على محمد صلى الله عليه وسلم، ويقرأ الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، على محمد محمد صلى الله عليه وسلم، ويكتب الله القرآن الكريم لمحمد محمد صلى الله عليه وسلم ، ويجمع الله سبحانه وتعالى، القرآن الكريم، لمحمد محمد صلى الله عليه وسلم، فأيهما أولي بالرعآية، وأيهما في حاجة إلى العناية والحفظ من الله سبحانه وتعالى؟ التوراة أم القرآن الكريم ، بالطبع القرآن الكريم لماذا؟
لأن التوراة كتبت في كتاب، في الألواح الستة، في لحظة التجلي، من الله سبحانه وتعالى، على موسى عليه السلام، في جبل الطور، بينما القرآن الكريم، كان كتابًا مكتوبًا في كتاب من الأزل عند الله سبحانه وتعالى قبل خلق الكون، وقبل نزوله إلى الأرض، فالتوراة فرع بينما القرآن الكريم اصل.
كما أن التوراة كتاب، مؤقت محدود المدة، إنتهي بوفاة موسى عليه السلام، وبعدها إنتقلت الخلافة الدينية، إلى عيسى عليه السلام، بينما القرآن الكريم كتاب، دائم وقائم إلى قيام الساعة، فالتوراة كتاب مرحلي مؤقت، لأمة مؤقتة ومحدودة وهي بني إسرائيل، بينما القرآن الكريم هو الكتاب الباقي والدائم للعالمين إلى نهاية الزمن وقيام الساعة.
دعوة التوراة للإسلام
كما أن التوراة، تدعو إلى الإيمان بالإسلام الوصف ، الذي جاء به الأنبياء والمرسلين، من آدم إلى عيسى عليهم السلام، وفي مركزه إعلان الولاء لله سبحانه وتعالى، والإيمان بوحدانيته سبحانه وتعالى، بينما القرآن الكريم، جاء بالإسلام العلم، الذي يربط بين الإسلام العلمي، الذي بني عليه الكون وما فيه من مخلوقات ، وبين الإسلام العملي، الذي يطبقه الإنسان في الأرض، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام .
فكان نزول الإسلام العلم، على محمد صلى الله عليه وسلم، إستكمال لدائرة الإسلام في الكون، بين الكون والإنسان وسائر المخلوقات، من أجل خلق وإيجاد تجانس واقعي على ارض الواقع، بين الواقع العلمي الذي بني عليه الكون وما فيه من مخلوقات على الإسلام، وبين الواقع العملي للانسان، على أرض الواقع على الإسلام ، فيحدث التكامل المطلوب، بين الإسلام الذي بني عليه الكون، والإسلام الذي يجب أن يبني عليه الإنسان في قيمه وأخلاقه، والهدف من كل ذلك إعلان الولاء لله خالق الأرض والسماوات امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر
تعليق واحد