(86) إن الدين عند الله… الإسلام
ما بين الرحم والقبر يخرج الإنسان بشحمه ولحمه وروحه وجسده، إنسان كامل في ذراته وخلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته، حيث يمثل الرحم والقبر، مصنع الإنتاج للجنس البشري في حياته الدنيا وفي حياته الآخرة، ولكن الفرق بين المصنعين، أن إنتاج الرحم مؤقت بينما إنتاج القبر دائم، وكلاهما جسد في روح وروح في جسد، لكن تغلب النورانية وتتغلب على المادية في إنسان الآخرة عن إنسان الدنيا.
والأمر العجيب، أن كل التطورات والتغيرات التي تحدث في إنسان الدنيا عند خروجه من الرحم وإنسان الآخرة عند خروجه من القبر، تتم بشكل معجز، لم يقل عنه أحد شيء يذكر، إلا بالقدر الذي علمه الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
فإنسان الدنيا مؤقت أتى إليها عبر بوابة الرحم ويتميز بمواصفات خاصة، من ذرة داخل خلية واحدة حتى جنين مكتمل بعد تسعة أشهر، ثم يخرج من الرحم في أعماره المختلفة من طفل رضيع إلى طفل إلى صبي إلى فتى إلى مراهق إلى بالغ إلى شاب إلى رجل إلى كهل إلى شيخ إلى أرذل العمر ثم يموت، ثم يتنفس ويأكل ويشرب وله إخراج ومخلفات في العرق والدموع والشحم والدهون والبول والبراز، يستيقظ وينام يتزوج وينجب وعنده سائل منوي، ينتقل بين الصحة والمرض، يترك النعيم بالفقر أو يتركه النعيم بالموت، يعيش بين الليل والنهار في أسباب الله، له زوجة وأولاد وأسرة وأهل وأصدقاء مؤقتين في الحياة، يطيع ويعصي حسب رغبته وهواه وهكذا.
بين الرحم والقبر
أما إنسان الآخرة دائم وأصلي، أتى إليها عبر بوابة القبر ويتميز بمواصفات خاصة وفريدة من نوعها، من ذرة ذات مواصفات خاصة، ففي الجنة يعيش الإنسان الذي أطاع الله في الدنيا، حيث النعيم المقيم والدائم والذي يعيش فيه فلا يموت أبدًا، ويستيقظ ولا ينام أبدًا في سن الشباب فلا يعجز أبدًا، صحيح فلا يمرض أبدًا، ويتنفس ويأكل ويشرب فلا يجوع أبدًا، ولا يكون عنده مخلفات لطعامه وشرابه أبدًا، ويستمتع بالنساء والحور العين فلا يضعف أبدًا، وليس عنده أو عندها سائل منوي فلا ينجب أبدًا، لا يتركه النعيم ولا يترك النعيم أبدًا، يعيش في نور الله فلا ليل ولا نهار أبدًا، له أسرة وأهل وأصدقاء فلا يحرم منهم أبدًا، ينظر إلى وجه الرحمن فلا يشقى أبدًا.
أما إنسان الآخرة الأصلي الذي عصى الله في الدنيا، فمصيره في النار الذي يعيش فيها كل حياته، فنفسه وشرابه وطعامه في النار فلا يخرج منها أبدًا، ويتعذب فيها فلا ينجو منها أبدًا، ويلاحقه العذاب فلا يتركه العذاب ولا يترك العذاب أبدًا، فالعذاب الأليم لأعضائه، والعذاب المهين لنفسه ومعنوياته، والعذاب العظيم يجمع بين العذابين الأليم والمهين، وهكذا.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فكما أن إنسان الدنيا يختلف عن إنسان الآخرة، فإن حياة الإنسان في الآخرة بين الجنة والنار، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر