(56) نهر النيل في… الإسلام
اسم هاجر عليها السلام له معاني علمية كثيرة ومتعددة، إن لم يكن فيه كل معاني الحياة بشمولها، فهو اسم منبثق من الهجرة، التي تسيطر على كل شيء في الكون والإنسان والحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات والكائنات الدقيقة، مثل الميكروبات والفيروسات والفطريات والطفيليات، من الولادة إلى الوفاة والفناء، فالكل في هجرة دائمة في داخل نفسه بجسده وروحه وفي محيطه ومن حوله، والهجرة لم تترك الإنسان، حتى في رحلته إلى الدار الآخرة، التي يهاجر إليها، كما كانت هجرته في الدنيا.
فمن هاجر عليها السلام كانت الهجرة، وهي كلمة جامعة تحمل كل معاني الهجرة في الحرف والكلمة والجملة والعبارة والسطر والسطور والفصل والفصول والباب والأبواب والكتاب والكتب والمكتبات، وفي الحياة في الزمان وفي المكان بشكل عام، وفي المبنى والمعنى بشكل خاص.
معاني علمية
منذ أن كان الإنسان جنينًا في الرحم إلى أن اكتمل نموه ونضجه مهاجرًا بين خلايا الأم وأنسجتها وأعضائها وأجهزته المتصلة بخلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته من مرحلة إلى أخرى، حتى يُصبح جنينًا كاملًا وبشرًا سويًّا في شكله العام وكيانه ومكونه الخاص.
ثم يخرج الجنين إلى الدنيا مهاجرًا من الرحم الصغير، الذي وسعه وحيدًا إلى رحم الكون الكبير الذي وسع معه ثمانية مليار شخص، عدد سكان الأرض الآن يعيش فيها الجميع بأسباب الله وطلاقة قدرته، إلى أن يأتيه قدره بالوفاة، فيترك الدنيا مهاجرًا إلى الآخرة، ووحيدًا كما جاء دون جاه أو سلطان لا فرق بين الفقير والغني، فالكل سواء في الدخول إلى الدنيا والخروج منها، ولكن معيار الطاعة والإيمان، هو الذي يُحدِّد مصير الإنسان في الجنة أو النار.
هجرة الإنسان
ثم يُهاجر الإنسان في الحياة بمفرده منذ أن وطأ بقدمه إلى الدنيا، ومعه خلاياه وأنسجته وأعضأءه وأجهزته في مراحل عمره المختلفة من طفل رضيع عند سنتين، إلى طفل عند سبع سنوات إلى صبي عند عشر سنوات إلى فتى عند اثني عشر سنة، ثم يدخل في سن المراهق عند أربعة عشر سنة، ثم سن البلوغ عند سبعة عشر سنة.
ويستمر في الهجرة في سن الشباب حتى تسعة عشر سنة، ثم رجل من العشرين إلى الأربعين، ثم كهل من الأربعين إلى الستين، ثم شيخ من الستين إلى الثمانين، ثم أرذل العمر من الثمانين إلى مائة عام، قرن من الزمان بعدها يبدأ بتجهيز نفسه ويعدها للمغادرة، في أي من هذه الأعمار، من أجل الهجرة إلى الآخرة في مراحلها المختلفة.
فاسم هاجر جامع وشامل لكل أنواع الهجرة التي يقوم بها الإنسان، ومعه سائر المخلوق في الكون في الحياة الدنيا من بدايتها إلى نهايتها، ثم تستمر الهجرة معه إلى الدار الآخرة من بدايتها إلى نهايتها، فهاجر كلمة من جوامع الكلم، جمع فيها معنى الدنيا والآخرة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر