(70) نهر النيل في… الإسلام
أُعجب الملك بكلام يوسف عليه السلام أيما إعجاب، فعينه عزيز مصر والوزير الأول في نظامه الملكي حتى يكون المسؤول الأول عن إنقاذ مصر من خطر المجاعة، بعد أن طلب يوسف عليه السلام من الملك إعطاءه موافقة وتوكيل بتدبير أحوال البلاد بناء على إنفاذ رؤية الملك بأمانته وعلمه وخبرته.
وهو ما جعل مصر دولة عظمى في عهد الفراعنة بعد استعانة حكامها بالعلماء والخبراء، فكان منهم حفيظ العلم ومن جعلها دولة فاشلة تستجدي المعونة من الآخرين بعد تغييب العلم عن إدارتها بفعل فاعل، فقد العاملين الأساسين في تقدم البلاد: الحفظ في الأمانة والعلم في الخبرة.
قال تعالى: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عليمٌ) يوسف: 55.
كان لنهر النيل، الدور البارز في انطلاق مسيرة مصر ووضعها في مسارها الصحيح، بفعل الأفكار الجديدة والمتجددة، ومن ثمَّ وثوب يوسف عليه السلام إلى العالمية وإلى السلطة والشهرة في مصر بعد تفسيره الحلم المتعلق بفيضان النيل وجفافه، علاوة على الرسالة التي أرسله الله سبحانه وتعالى به إلى المصريين.
فأدار يوسف عليه السلام مهماته بحكمة واقتدار حول أحوال مصر في الأوقات الصعبة، وهذا يؤكد أن إنقاذ البلاد، لن يكون إلَّا على أيدي المخلصين من أصحاب الأمانة، من العلماء والخبراء في وجود الثواب والعقاب وليس من المدلسين والكاذبين وأنصاف المتعلمين والمخادعين الأشرار وأصحاب الفشل الذريع في كل مجال وأصحاب الأثرة والمحسوبية.
عزيز مصر
وتمضي القافلة في مصر الفرعونية وربانها يوسف عليه السلام بخيرها وشرها، حيث أراد لها الله سبحانه وتعالى، أن تمضي إلى نهايتها، فانتهى أمر يوسف عليه السلام في مصر بوفاته وهلاكه، فاستقر التوحيد في ربوع مصر منطلقًا من أقصاها إلى أقصاها، وفيه يردد المصريون اسم الله الأعظم.
ومع استقرار الحكم الفرعوني وانتقاله إلى محطة أخرى من محطات الفراعنة، ظهرت بوادر التوحيد تطفو من جديد وبدأ المصريين في إعلان ولاءهم لله، فكانت البداية في قصر الفرعون رمسيس الثاني الذي ادعى الألوهية، بالرغم من إيمان آسية زوجته وماشطة ابنة الفرعون وزوجها وأولادها الذين كانوا من المؤمنين بوحدانية الله.
ثم كان الرجل المؤمن من آل فرعون الذي كان ينتقل في كل ربوع مصر ومدنها وقراها، يدافع عن موسى عليه السلام في أوج الاشتباك بينه وفرعون مصر.
قال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعليه كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) غافر: 28.
وهذا الرجل المؤمن من آل فرعون، ذكر اسم الله كثيرًا في سورة غافر وكان يتحدث عن تاريخ الأنبياء والمرسلين ورسالاتهم في الدنيا، ويبدو أنه كان واحدًا منهم.
قال تعالى: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ اليوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عليكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ) غافر: 29– 31.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر