(93) نهر النيل في… الإسلام
يُمثِّل البعد الحضاري لنهر النيل بعدًا آخر، لاستكمال أبعاده الأربعة والتي تتمحور حول البُعد العلمي والبُعد الديني والبُعد الجغرافي والبُعد التاريخي، كما أنَّه يُعبِّر عن النهضة الحضارية والتنموية، التي مرَّت بها مصر وحظيت بها، على مدار تاريخها الطويل بشكل عام ومنذ خروج الإنسان الحضاري الأول من مصر بشكل خاص عبر سيناء إلى أوروبا وآسيا.
إذًا نهر النيل وجد قبل خلق الكون منذ 15 مليار سنة باعتباره نهر من أنهار الجنة، عاش حول ضفافه مصرايم ابن بنصر ابن حام ابن نوح، ووصى نوح عليه السلام حفيده مصرايم بمصر قبل أن تحمل اسمه، والتي نُسبِت إليه وأشار في وصيته له إلى نهر النيل وأنه نهر من أنهار الجنة.
بدأ البعد الحضاري لنهر النيل قبل خلق الكون، ثمّ نشأت على ضفافه حضارات منذ آلاف السنين والتي وصلت إلى أوج تقدمها في عهد الفراعنة، منذ أكثر من 5000 سنة، فكانت حضارة الفراعنة واحدة من أقدم الحضارات في العالم، التي نشأت على ضفافه والتي اعتمدت على نهر النيل منذ العصور القديمة، حيث كانت الزراعة هي النشاط الرئيسي الذي يميزها بشكل خاص، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة الزراعية والتي جعلتهم يعيشون في رفاهية ورغد من العيش.
قال تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) الدخان: 25- 26.
احتفالات بوفاء النيل
وكان الفراعنة يقيمون احتفالات بوفاء النيل ابتهاجًا بالفيضان وسجَّلوا هذه الاحتفالات على جدران الأهرامات والمعابد والمقابر، لإظهار مدى تقديسهم للفيضان الذي جعلهم يعيشون الدنيا بجناتها وحدائقها الغناء.
قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) الشعراء: 57- 58.
وفي العصر الإسلامي صمم مقياس النيل، لقياس الفيضان في نهر النيل بشكل دقيق، ولا يزال هذا المقياس قائمًا حتى اليوم في الروضة بالقاهرة، كما أن البحار والترع والمصارف المتفرعة من نهر النيل، كان لها دور كبير في توزيع مياه النيل، على امتداد مصر من أسوان إلى البحر الأبيض المتوسط.
وبين المد والجزر في سقوط الأمطار على منابع النيل، شهدت دول حوض النيل في أواخر ثمانينات القرن العشرين، جفافًا نتيجة لضعف فيضان النيل وقلة سقوط الأمطار على متابعه، مما أدى إلى نقص المياه شديد في المياه، وحدوث مجاعة كبرى في كل من السودان وإثيوبيا، غير أن مصر لم تعانِ من آثار تلك المشكلة نظرًا لمخزون المياه الكبير في بحيرة ناصر خلف السد العالي.
بناء سد كهرومائي على النيل الأزرق
ومع بداية القرن الحادي والعشرين سعت إثيوبيا إلى بناء سد كهرومائي على النيل الأزرق بعد تقويض إثيوبيا لكل الاتفاقيات الموقعة والمنظمة لحصة مصر والسودان، وبالرغم من أن منابع النيل في بني شنقول ملكية مصرية، فإنها تقع تحت السيادة السودانية، ولكن تمَّ احتلالها من قبل الحبشة في 1902 بواسطة منليك الثاني، فأصبحت سياسيًّا تحت حكم إثيوبيا.
وبالرغم من أن المياه الموسمية التي تتساقط على منابع النيل في إقليم بني شنقول، تصل إلى تريليون متر مكعب تستولي إثيوبيا على 250 مليار م3 ومصر والسودان على حوالي 70 مليار، إلَّا أن طمع إثيوبيا المفرط، جعلها تبني سد النهضة على أراضي سودانية في إقليم بني شنقول، والذي يبعد عن حدود السودان من 20 كم ووجوده أو انهياره يؤدي إلى ضرر جسيم بالسودان ومصر فكيف يسمح لإثيوبيا ببناء سد على أرض مصرية سودانية، مما خلق أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين بين مصر والسودان وإثيوبيا.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر