(150) نهر النيل في… الإسلام
كانت خطورة البند الأول عن العلم والتعليم في هذه الوثيقة، هو علم الغرب أن الإسلام دين العلم، وصانعه ومنتجه وموزعه، فأدركوا خطورة تبني العالم الإسلامي، قضية العلم باعتباره قضية محورية وجوهرية ووجودية في صلب الإسلام، سواء في القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو ما أضافه علماء المسلمين على مدار التاريخ.
ولم ينسَ الغرب ومفكريه ما قدمه علماء المسلمين في القرون الوسطي من علوم في مختلف التخصصات، بني عليها الغرب نهضته العلمية وتقدمه الحضاري، وما الأندلس وقرطبة وإشبيلية وغيرها من مدن الإسلام في القاهرة وبغداد وغيرها عنَّا ببعيد.
لذلك سمح للجميع في أمريكا والغرب وروسيا والصين في الشرق والهند وفي غيرها من بلاد العالم بالنهضة العلمية والتقدم في شتى المجالات، بعد نضوج الأنظمة والحكومات، التي وضعت مصالح الشعوب في أولى أولوياتها، من خلال العلم والبحث فيه، الذي يحل مشاكلها من الألف إلى الياء.
غياب العلم والتعليم
ولكن غياب العلم في العلم الإسلامي، لم يؤدِ فقط إلى التخلف التقني في شتى المجالات والحديث عن كيفية توفير رغيف الخبز الحاف في الأفران، الذي يؤرق سعره ووزنه الأنظمة والحكومات، على مدار عشرات السنوات في غياب الغذاء المتوازن، في البروتين والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والأملاح المعنية اللازمة للحفاظ على صحة المجتمع.
ولكن أدى أيضًا إلى حدوث موجات عكسية من هجرة العقول والعمال المهرة، من الشرق إلى الغرب، بعد أن كانت تهاجر من الغرب إلى الشرق، فتم تفريغ الشرق من القاعدة العلمية الصلبة القادرة على صناعة العلم والعلماء، ومن يرفض الهجرة يتم اغتياله في وضح النهار بالاتفاق بين الأحفاد والوكلاء.
ثم حدثت كل هذه الموجات الخطيرة، من الصدامات المسلحة بين الجماعات المسلحة على امتداد العالم الإسلامي وبين الأنظمة الحاكمة بعد غياب العدل والمساواة وتحييد الإسلام، وكلاهما ينظر إلى الآخر بعين الشك والريبة، وكلاهما ينفي الشرعية وينزعها عن الآخر.
التخلف والأمية والفقر والجهل والتطرف
وكان النتيجة الحتمية لهذا الصراع وقوع الجميع في فخ الاستقطاب، الذي رتب بعناية بالغة في هذه الوثيقة، وترتب عليه التخلف والأمية والفقر والجهل والتطرف، وكان نصيب الأسد ينصب على تحييد الإسلام، وحصره داخل المسجد، لا يخرج إلى الشارع والحقل والمصنع من أجل تهذيب أخلاق الناس، ودفعهم إلى العمل والجد والاجتهاد.
ومن هنا كانت نقطة البداية في إفشال البند الأول من الوثيقة بعمرها البالغ قرن من الزمان 1905، باستدعاء الإسلام بالكلية، كي يقوم بدوره المحوري في انتزاع فتيل الأزمة بين أطراف الأمة، ووضعها على بداية الطريق الصحيح في إتقان العلم والبحث فيه، مع ضمان الأساس الذي يقوم عليه العلم في القيم والأخلاق، ثم إنهاء الصراع على السلطة، ومعه ينتهي التطرف والمواجهة المسلحة، بعد إنهاء حجة المتطرفين، فيصبح تأثيرهم عديم الجدوى في أركان هذه الأمة الكبيرة، اثنين مليار وخمسمائة مليون مسلم حول العالم.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر