(20) إشراقات… رمضانية
إذا كان العلم هو الحقيقة الواقعة والمجزوم بها والذي يمكن أن تقيم عليها دليل من خلال منظومة متقنة ومترابطة من المركز والأطراف، فإنه يُصبح جهلًا إذا لم تقيم عليه دليل.
وبالتالي فإن كل حقائق الكون وخلق الإنسان والأفكار التي توصل إليها الإنسان، وتستطيع أن تقيم عليها دليل هي التي تمثل حقيقة العلم الناهض الذي يمكن تحويله إلى منتج.
وهو في الحقيقة ثمرة الفكر الناضج ونتاج العقل الراجح الناتج من حضور العقل الفاهم والمفكر في خلق الأشياء من حوله، من أجل الاستفادة منها وتحويلها إلى منتج ينتفع به الناس، لتحقيق طموح الإنسان في التقدم والرخاء في وجود الذهن الصافي المستيقظ الذي يبحث عن المستور في الوجود وفي وجود الدليل والبرهان، لأنَّه لا علم للفوضى ولا العشوائية ولا المجنون أو فاقد الأهلية.
وإذا كان الدعاء مخ العبادة، فإن العلم بمعناه الشامل هو العبادة بمخها، لأنَّه يجعل الإنسان يرى حقيقة الله فيعبده على علم وبصيرة وتصير العبادة قانونًا، ينتشر بين الناس يدركوا به عظمة ربهم، فينهلوا من بحار العلم التي ليس لها شطآن، حتى يبلغ الإسلام الذي يجب أن نعرفه مداه ويصل موقفه من العلم مبلغ الكمال البشري في أنقى صوره.
الحقيقة الواقعة عن أهمية العلم في الإسلام
فلا تجد دينًا من الأديان أو عقيدة من العقائد، كان جل اهتماماتها منصبًا على العلم والمعرفة مثلما اهتم الإسلام بشرف العلم ومكانة العلماء عند الله سبحانه وتعالى، فقرنهما بشهادة الله على نفسه بالوحدانية وشهادة الملائكة على هذه الوحدانية ومعهما شهادة أهل العلم، فتلك منزلة عظيمة ومكانة كريمة لم يحظى بشرفها أحد من البشر.
وهذا فيه إعجاز هائل، لأنَّ أوَّل ما علم الله سبحانه وتعالى خلقه العلم النافع، كانت الملائكة ثمَّ الجن والإنس وكان آدم عليه السلام، أوَّل إنسان يتلقى العلم مباشرة من الله وينتقل عبر الجينات الوراثية من الآباء إلى الأبناء والأحفاد في سلسلة متصلة الحلقات إلى قيام الساعة، قال تعالى: “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (البقرة: 31).
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر