(55) إشراقات… رمضانية
إذا كنا لا نعرف جزءً أساسيًّا من مكون نفوسنا والمتمثل في الروح التي لا نعرف عنها شيء في شكلها ولا وزنها ولا الحيز الذي تشغله داخل أجسادنا ولا كيف دخلت الروح أجسادنا ومن أين أتت؟ وأين تسكن روحنا في أجسادنا؟
وفي نفس الوقت لا نعرف شيء يذكر عن طبيعتها ولا سر تكوينها ولا سر إسكانها في هذا الجسد الترابي، مع أن أصلها نوراني، فكيف يلتقى الضدان الجسد المعتم والروح النورانية، فتكون هذا المزيج الإنساني الرائع بما له وما عليه.
فرمضان عرفنا بوجود الروح النورانية داخل جسدنا الترابي المعتم، فالروح مجهولة لنا ولا نعرف عنها شيئًا مع أنها سبب بقائنا في هذه الحياة ومع وجود التقدم العلمي الهائل في الكثير من مجالات العلم والمعرفة، لم يستطيع أحد من كشف الغموض الذي يُحيط بطبيعة الروح، فوجودها يعني الحياة وغيابها يعني الموت، فلا ندركها ولا نحسها وبعيدة كل البعد عن وسائل إدراكنا.
فكيف نستطيع أن ندرك ما في الدائرة الأولى من خلق الله وبالرغم من أننا لم نفهم أي شيء عن هذا الجزء الضئيل المسمى بالروح، فلم يجب عن كل هذه الأسئلة إلا القرآن الكريم الذي نزل في شهر مضان قال تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (الإسراء: 85).
دلالات سورة الإسراء عن الروح
فلولا هذه الآية الكريمة في سورة الإسراء ما عرفنا شيء عن الروح ولا الإشارة إليها، إنما طرح هذا السؤال على محمد صلى الله عليه وسلم والإجابة عليه من الله، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن معلوماتنا عن الروح، ستظل معدومة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فالروح متعلقة بأمر الله سبحانه وتعالى ولا تعقيب على أمره، لأنَّه خارج علم البشر وما أطلعنا الله عليه من علم، فهو قليل القليل القليل، بالرغم من تكرار هذه الأسئلة في القرآن الكريم والذي يطرح فيها الله السؤال ويجيب عليه بنفسه، إلا أن السؤال المتعلق بالروح والاجابة عليه كانت واضحة الدلالة، لأنَّه لا أحد يستطيع أن يجيب على هذا السؤال إلا الله.
بل إننا إذا كنا لا تعرف شيء عن الروح، إلَّا أنَّه في الوقت ذاته، لم نفهم شيء عن الطريقة التي تم تسكين الروح فيها هذا الجسد الترابي، ولا ندرك شيء عن تنوعها ولا عن أشكالها، بالرغم من أن عدد سكان العالم الآن يبلغ ثمانية مليارات نسمة وفي نفس الوقت لا نعرف، عمَّا إذا كان بصمة الروح القادمة، تتشابه مع بعضها البعض عند دخولها الجسد وهل الروح تختلف من عمر إلى عمر آخر، داخل الرحم وفي المراحل العمرية المختلفة التي يمر بها الإنسان وحتى أرذل العمر.
الروح مكون نفوسنا
وهل تتصابى الروح مثل تصابي الجسد أو تشيخ الروح كما يشيخ الإنسان وينالها الضعف والهرم الذي ينال الجزء الترابي من الإنسان وهذه معجزة إلهية وحكمة ربانية وإشارة واضحة من الله إلى أن خلق الروح التي تسري في كيان هذا الانسان لا نراها ولا نشعر بها ولا نحسها ولا نعرف عنها شيء.
وهذا فيه إعجاز هائل، فبالرغم من أنها مخلوق ضئيل من نور، وهي واحدة من مخلوقات الله التي ليس لها عد ولا حسبان، فكيف يمكن أن نتصور أنه يمكن رؤية ومعرفة حقيقة أو حتى نتخيل شكل وطبيعة تكوين هذه المخلوقات التي خلقها الله في الدائرة الأولى قبل الخلق.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر