(58) إشراقات… رمضانية
من هنا كانت رسالة رمضان في الإسلام فلا بد لنا أن ننظر بعين الاعتبار إلى الدوائر الثلاثة التي كان من أجلها انبثق هذا الشهر المعظم وعلى إثرها خلق الله سبحانه وتعالى رمضان وأعطى له كل هذا الفضل وكل هذه المكانة وتلك المنزلة عند الله سبحانه وتعالى وعند البشر وعند سائر المخلوقات.
وهذه الدوائر الثلاثة هي التي تتحكم في مسيرة الحياة وتسيرها وفقًا لإرادة الله سبحانه وتعالى في دوائر متصلة ببعضها البعض الآخر، بشكلٍ وثيق ومتتالٍ وفي سلسلة متصلة الحلقات، لا يمكن أن تفصل حلقة أو دائرة عن الأخرى ومن هذه الدوائر الثلاثة، كان مصدر ومنبع ومصب حياتنا، وفي هذه الدوائر الثلاثة، كان لرمضان نصيب الأسد والحظ الأوفر فيها، لأنَّه هو الذي كشف لنا الستارة عن فحواها، بالرغم من أنها غيب عنَّا في كل الأحيان.
فعرفنا رمضان بالدائرة الأولى الغامضة عنَّا والمغلقة أمامنا وعلينا جميعًا، عدا بالطبع سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا نعرف عنها شيئًا على الإطلاق، ولكننا نرى آثارها ظاهرة للعيان في كل شيء له علاقة بالحياة، وكل شيء له علاقة بالموت وغموض الدائرة الأولى يعني بالنسبة لنا أنَّها الدائرة المسيطرة على كل الأوضاع وعلى شتى المخلوقات، وهي دائرة يعتمد عليها كل وجودنا ووجود كل المخلوقات الأخرى في الدنيا والآخرة وهي التي تشمل دائرة ما قبل الخلق، فكان الله فيها وحده ولا أحد سواه وكان عرشه على الماء.
وفيها تحدَّث الله سبحانه وتعالى عن نفسه وعن كماله، وكما يليق بكماله وتحدَّث عن ذاته وصفاته وأسمائه وكلماته وتحدث فيها عن الغيب في خلق العرش وحملته والكرسي وحملته، واللوح المحفوظ والقلم وسدرة المنتهى والبحر الأعظم والبيت المعمور وبيت العزة في السماء الدنيا، وسر السماوات والأرض وسر خلق الأكوان المجهولة.
رسالة رمضان في الإسلام
فكان نزول القرآن الكريم في رمضان إعجاز عظيم، فلولا رمضان ما عرفنا الله ولولا رمضان ما عرفنا شيء عن الدائرة الأولى والمتمثلة فيما قبل الخلق بكل ما فيه من مخلوقات لا يمكن لعقولنا أن تدركها ولا لقلوبنا أن تستوعبها بأي حال من الأحوال ولولا رمضان ما عرفنا شيء عن الدنيا في الدائرة الثانية ولا عرفنا شيء عن الآخرة في الدائرة الثالثة.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر