(33) إن الدين عند الله… الإسلام
تحدث القرآن الكريم باستفاضة، عن تاريخ الأنبياء وحال المرسلين مع أقوامهم وعرض مواقف الجانبين، بشكل علمي مدروس، وكان الحديث مركزًا عن الملأ من القوم والحكام من الأغنياء أصحاب الحظوة والكلمة المسموعة والغناء الفاحش.
الذين جمعوا مالهم وعاشوا حياتهم في رغد من العيش، على حساب تعاسة الفقراء، فكان حديث معمق وشرح ممنهج ومفصل عن الحكام من الأغنياء باعتبارهم مركز بؤر الفساد في المجتمعات، ومعهم انتشر مرض الفساد من المركز بين المجتمعات، فامتلأت البلاد بالفساد عن آخرها ومعه الوجه الآخر من سفك الدماء، مع تمكن داء الاستعلاء على المجتمعات، وكان حيازة السلطة الزمنية، سبب فسادهم وإفسادهم للمجتمعات.
القرآن الكريم يتحدث عن تآمر القوم في تاريخ الأنبياء
فكان من الواضح أن الملأ من القوم، يتآمرون على رسالة الأنبياء والمرسلين، ويقفون في وجه هذه الدعوة النبيلة، وكانوا على رأس المعاندين للإيمان بالله والمكذبين لرسله، فسخر الله منهم واحتقر تطلعاتهم الدنيئة وطبائعهم الخسيسة التي جبلوا عليها، لأنهم لم يفهموا معنى الحياة ولا وجودهم فيها.
ففرعون كان نموذجًا حيًّا وشاذًا للجبروت، وكان نموذج فذ ومستفز للطغيان والاستعلاء في الأرض، إلى درجة أنه ادعى الألوهية، مع أنه نكرة في عرف البشر، لا يستطيع أن يقضي حاجته بنفسه إذا ترك لحاله، ولا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة دون أن يتنفس الهواء، أو يشرب الماء أو يتناول الغذاء.
ومع ذلك أمر قومه بالخضوع له والمضي خلفه إلى أن غرق في اليم مع جنوده بعد أن تطاول على الله وحقه في الألوهية.
قال تعالى: “يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ إلىوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” (غافر: 29).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد تكرار نموذج فرعون في الدنيا إلى قيام الساعة، والذي أذله الله وأهانه وأغرقه وجنده في البحر الأحمر، ولم يعتبر أحد من الفراعنة الذين أتوا بعده من مصيره فدفنوا جميعًا تحت التراب عبرة وعظة، امتثالًا لأمر الله والاستسلام لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر