(39) إن الدين عند الله… الإسلام
الأمة تصنع حضارة وعندما تضعف هذه الحضارة ولا تتمكن من صيانة نفسها، تضعف وتسقط وتتهاوى وتندثر وتختفي من الحياة، فتحل محلها حضارة أخرى أقوى منها، فتدور في نفس الدائرة التي دارات فيها الحضارة السابقة، مثل حضارات مصر واليمن والعراق وغيرها.
قال تعالى: “مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ” (المؤمنون: 43).
لم تمتلك أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات صحوة من ضمير، بالرغم من تكالب الجميع على الهيمنة والسيطرة، بالرغم من تساقط الحضارات، ولكن يبدو أن طبيعة البشر المخزنة في فطرتهم وفي الحامض النووي المسؤول عن نقل الصفات الوراثية بين الأجيال، تتميز بالنسيان وتجاهل الأحداث.
وبالرغم من أن الإنسان بطبيعته، يملك صحوة في الضمير بفطرته الإنسانية، والتي تتميز بالطهر والنقاء، فيتغلب فيه الحق على الباطل، فيعود سريعًا إلى الحق طواعية، حتى ولو اختلط عنده الحق بالباطل، يحدث هذا عندما يتخلص من الهوى الذي اختلط عليه، فنجده يعود إلى الحق مسرعًا، حتى ولو دفعه الغضب إلى الباطل.
قابيل وهابيل
وهذا ما حدث بين قابيل وهابيل، فبعد أن هدأت ثورة الغضب داخل قابيل على أخيه هابيل، ندم على ما فعل.
قال تعالى: “وَاتْلُ عليهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إلى يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إليكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّآدمينَ” (المائدة: 27- 31).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد توالي الأمم وتتابع الحضارات مثل الأفراد والجماعات، والتي ينتهي مصيرها إلى الزوال، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر