(17) مصر… في الحج
كان نهر النيل بمائه العذب وما يتميز به من هدوئه المعهود وراحة باله في سريان ماءه، رؤوف بموسى ورحيم عليه، فحمله في سرية تامة دون ضجيج مفتعل إلى بيت الفرعون، بالرغم من كل وسائل التأمين والسيطرة والحماية، من قبل جنود الفرعون على كل شبر في أرض مصر بشكل عام ونهر النيل بشكل خاص.
فشواطئ نهر النيل محاصرة وقناطره مراقبة وجسوره محروسة حراسة مشددة، من قبل حرس الفرعون، فكل شيء مراقب فيما يدور داخله وحوله ولم يكل أو يمل جنود الفرعون، من البحث عن موسى في كل مكان بعد أن عرفوا حكايته الحقيقة وهروبه من الذبح.
ولكن بمجرد وصول التابوت في سرية تامة بعيدًا عن أعين الحرس والجنود، وفيه موسى طفل رضيع انتهت المراقبة ورفعت الحراسة، بعد أن أوصل النيل موسى إلى بيت الفرعون، فأصبح موسى في حماية الفرعون وزوجته وحرسه في الداخل بعد إفشال كل المحاولات في الخارج للوصول إلى موسى وذبحه.
عند هذه اللحظة الحاسمة في حياة موسى وبني إسرائيل، التقط آل فرعون التابوت وبه موسى وبعد أن رفع الغطاء عن وجه موسى الطفل الرضيع، ألقى الله عليهم حبه له في الظاهر، قال تعالى: “وَأَلْقَيْتُ عليكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي” (طه: 39).
لكن في الباطن سيكون لهم عدوًا وحزنًا وسببًا في هلاك فرعون وجنوده وانهيار حضارته، ليس من ضعف في فرعون ولا قوة في موسى وقومه وإنما هي إرادة الله وأقداره يدورها كيف يشاء ومتى أراد، قال تعالى: “فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ” (القصص: 8).
نهر النيل بمائه العذب
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فلم يتمكن الجيش الفرعوني وقوته الضاربة، وهو يمثل الجيش الأول على وجه الأرض من القبض على طفل رضيع، وهو في حماية نهر النيل بأمر من الله خالق موسى وفرعون والنيل.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر