(36) مصر… في الحج
بين التحديين من فراعنة مصر وفراعنة الحجاز برز دور مصر فكانت شاهدة على ظلم العصرين، عصر الفراعنة في مصر وعصر الفراعنة في مكة، وكلاهما استخدم كل أساليب الخوف والترهيب والوعد والوعيد والعنف والقتل والتشريد ضد دعوة موسى وأتباعه في مصر، وضد دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة.
وكانت هاجر عليها السلام رابط قوي ومتين بين أهل مصر وأهل مكة، فكانت أم للعرب من ناحية، وكان ابنها إسماعيل أبو العرب من الناحية الأخرى، فكأن الجذور تمتد بين الجدود في فراعنة مصر إلى الفروع في فراعنة مكة.
الربط بين فراعنة مصر وفراعنة الحجاز
وكما كان هذا الربط بين الفراعنة وظلمهم في العصرين ومطاردتهم للحق والحقيقة، ونصرهم للباطل على الحق في وجود الشيطان، ومنعهم من نمو بذرة الإيمان التي أراد موسى زراعتها في مصر بأمر من الله، صنع أبو جهل وأقرانه من كفار مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلما صنع الفراعنة مع موسى فكان الظلم والطغيان حلقة الوصل والوصال بين فراعنة مصر وفراعنة الحجاز.
وكما كان هناك ربط بين الظلم والطغيان، كان هناك ربط آخر قوامه العدل والإيمان بين الناس في الرسالتين، رسالة موسى وهارون عليهما السلام ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بالرغم مما طال التوراة من تحريف وتبديل، قال تعالى: “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ” (المائدة: 15).
القرآن الكريم الوثيقة الوحيدة التي لم تتعرض للتحريف
فكان القرآن الكريم، الوثيقة الإلهية الوحيدة على الأرض التي لم تتعرض للتحريف والتبديل، كما حدث مع التوراة التي ترك حفظها لليهود، فحرفوها من أجل السلطة والمال والجنس، فكان شاهد ودليل بعد أن حفظه الله سبحانه وتعالى بنفسه، قال تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فمصر تربط بين موسى عليه السلام في مصر ومحمد صلى الله عليه وسلم في مكة برباط وثيق، وكان فيه التحدي قائم على وجوب الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر