(74) مصر… في الحج
في الحج يسعى الحاج بين حجرين في الصفا والمروة، ويشرب من بين حجرين في زمزم ويطوف حول الكعبة المبنية من الحجارة ويحييي الحجر الأسود ويصلى في مقام إبراهيم من الحجر، ويقف في حجر إسماعيل ويصلى فيه وهو من الحجر، ويرمي حجارة من الحصي بحجارة تمثل مشاهد للشيطان من الحجر.
فما الذي جعل المسلم، يسعى ويطوف حول حجر ويصلى عند حجر ويشرب من بين حجر، ويحيي حجر ويرجم حجر، فالفاعل واحد والمفعول به مختلف.. لكن لماذا؟ مع أن الإسلام دين يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك ويمقت عبادة الأصنام المصنوعة من الحجارة؟
الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة
فكل هذه الأعمال تعبدية أمر بها الله وعلمها إبراهيم عليه السلام، فالسعي بين الصفا والمروة كان لهاجر المصرية وأم العرب وابنها إسماعيل أبو العرب، وجد محمد صلى الله عليه وسلم وأبوه إبراهيم أبو الأنبياء فهذا يجعل من الصفا والمروة، مكان تعبدي بأمر الله سبحانه وتعالى.
كما أن زمزم كان نتيجة لهذا السعي، وفجره جبريل عليه السلام، من أجل هاجر وإسماعيل عليهما السلام في معية الله، ولم يكن بئر من الأرض ولكنه نهر من الملأ الأعلى في بئر من الأرض، يحمل كل معاني الطاعة والإيمان بالله.
والطواف بالكعبة أمر تعبدي من الله، التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وحضر بنائها جبريل عليه السلام، وبها الحجر الأسود من الجنة والحجر الذي يصعد عليه إبراهيم عليه السلام من الجنة وفيها حجر إسماعيل عليه السلام.
فالكعبة هي بيت الله الحرام بأمر الله سبحانه، بنتها الملائكة بأمر الله، ثم بناها آدم عليه السلام بأمر الله، ثم بناها إبراهيم أبو الأنبياء بأمر الله، وإسماعيل أبو العرب بأمر من الله وجد محمد صلى الله عليه وسلم، وبنيت الكعبة للحفاظ على الكرة الأرضية على غرار البيت المعمور الحافظ للسماوات السبعة.
والذي يحيي الحجر الأسود بعد أن كان أبيض بأمر الله، حمله جبريل عليه السلام من الجنة بأمر الله تعالى ووضعه في الكعبة التي بناها إبراهيم وإسماعيل بأمر من الله، فيتعلق بأثر من آثار الجنة على أمل الفوز بها في الآخرة.
كما أن رمي الجمرات في معية الله وبأمر من جبريل عليه السلام، لإبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام، وفداء إسماعيل بذبح عظيم من الجنة، من أجل مطاردة إبليس اللعين وإحراقه بهذه الجمرات، بعد اعتراضه على أمر الله وتحديه بذبح إسماعيل وتحريضه لهم بعدم ذبحه.
اجتماع الأمور التعبدية في الحجارة
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فقد اجتمع لهذه الأمور التعبدية في الحجارة، إبراهيم وهاجر وإسماعيل عليهم السلام، في وجود جبريل عليه السلام وفي وجود أربعة بشائر من الجنة في بئر زمزم والحجر الأسود ومقام إبراهيم وكبش من الجنة في معية الله سبحانه وتعالى، مما يؤكد ديمومة العمل في الحج وامتداده إلى الآخرة، وفي وجود كل هذا الجمع المبارك، الذي لن يتكرر على مدار الزمن في الدنيا.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر