(66) الإسلام… في ميلاد الرسول
برنامج البعث والفناء، برنامج سري وخطير خلقه الله في مكونات الكون والإنسان، يدير كل شيء في الكون بدقة عالية ومهارة فائقة وبراعة كاسحة، فيحمي الكون وما فيه من مخلوقات من الانهيار، فهو يُمثل حجر الزوايا في بقاء الكون ومنعه من الانهيار والفناء إلى حين، لأنه يملك المفتاح اللازم لبقاء الكون والحفاظ عليه، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
وإذا كان برنامج البعث والفناء يتحكم في آلية عمل الكون من البداية والنهاية، وبينهما مشواره في الحياة، فإنه وفي نفس الوقت وبنفس الآلية يتحكم هذا البرنامج المؤقت في خلق الإنسان وبعثه وفناءه، مما يؤكد حقيقة واحدة، مفادها أن وحدة الخلق في الكون والإنسان، تؤكد وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.
البعث والفناء.. برنامج سري وخطير
وهذا يؤكد أن انطلاق مسيرة الإنسان في الحياة، تعتمد على وجود برنامج البعث والفناء المنطلق مع بداية خلق الإنسان والمستمر معه في كل أطوار حياته المختلفة، فهو مخلوق داخله كأحد مكوناته في مرحلة الجنين والرضاعة حتى سنتين، والطفولة حتى سبع سنوات، والصبية حتى عشر سنوات، والفتوة حتى اثنى عشر سنة، والمراهقة حتى أربعة عشرة سنة والبلوغ حتى سبعة عشر سنة والشباب حتى تسعة عشر سنة، والرجولة حتى أربعين سنة، والكهولة حتى سن الستين، والشيخوخة حتى سن الثمانين، وأرذل العمر حتى سن المائة، ثم تنتهي بنهايته وموته وفناءه.
وهو في نفس الوقت يهيمن على الكون وحياة الحيوانات والطيور والحشرات والنباتات والجمادات ومختلف الكائنات الحية الأخرى من فيروسات وميكروبات وطفيليات وفطريات، وغيرها من الكائنات الدقيقة والدواب التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة وحتى بالميكروسكوبات على اختلاف أنواعها ولا التلسكوبات الفضائية والأقمار الصناعية، وغيرها مما توصل إليه الإنسان في مختلف المجالات، مصداقًا لقوله تعالى: “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام: 38).
وعندما ينطلق برنامج البعث والفناء من عقاله ومصدره الذي نجهله ومعقل وجوده، الذي لا نعرفه مع خلق الإنسان، حاملًا معه كل الإشارات المتعلقة بمصيره ووجوده من البداية وحتى النهاية، بحيث يمكن من خلاله تحديد مصير الإنسان في حياته.
كيفية ترتيب حياة الإنسان
منذ بداية تكوين الخلية المخصبة، واكتمال تكوين الجنين داخل رحم أمه في بداية دورة حياته الجنينية والتي تنتهي بالخروج إلى الدنيا، وبه يتم ترتيب حياة الإنسان خارج الرحم كما تم ترتيبها داخله، وحتى نهاية حياته من خلال المراحل العمرية المختلفة التي يمر بها الإنسان في حياته، حيث ينطلق سهم الحياة متمثلًا في البعث، وسهم الموت متمثلًا في الفناء، معًا مع انطلاق الحياة، وعندما يتقابلان يهلك الإنسان وتنتهي حياته على الأرض.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، فبرنامج البعث والفناء، يتحكم في مصير الكون وكل المخلوقات، ويمنع الكون من الانهيار ويحمي الإنسان من الانقراض، ويُمثل ذروة الخلق وانضباط المخلوقات، امتثالًا لأمر الله واستسلامًا لإرادته في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر