(5) إشرقات… رمضانية
إذا كان الإنسان يتكون من مادة وروح، فإنَّ أصل المادة من تراب الأرض وأصل الروح النورانية من خارجها، ومع ذلك يلتقي الترابي مع النوراني ليشكل بشرًا سويًّا، يتفقان ويتوافقان ويحمي كل منهما الآخر ويحفظ كل منهما وجود وحياة الآخر، مع أنهما ضدان ومع ذلك يعيشان في جسد واحد وكيان واحد، فيعشق الترابي النوراني ويعيش به ويعشق النوراني الترابي ويعيش فيه بشكل عجيب ومعجز.
عظمة الله سبحانه وتعالى
فلا يخفى على العاقل اللبيب، أن وراء رضا الجسد الترابي على الروح النورانية ورضا النوراني على الترابي، تقف عظمة الخالق الله حتى يكون بشرًا سويًّا تظهر في بشريته، بما يحمله من ترابي وروحاني، معنى العظمة وطلاقة القدرة لله سبحانه وتعالى، فلا يعجزه شيء في خلقه ومع ذلك لا تجد تشابه ولا تماثل بين الثمانية مليار من البشر الذين يعيشون الآن على ظهر الكرة الأرضية.
وإذا كانت بذرة الشر متأصلة في الإنسان لأصله الترابي، والذي يميل بطبيعته إلى عمل الشيطان وفعله وعدوانه، فإن بذرة الخير متأصلة أيضًا في الإنسان لأصله النوراني، فتدفعه إلى الشفافية وعمل وفعل الخير كالملائكة.
ومن هنا وقع الإنسان المختار بين فكي رحى الشيطان والملائكة، فهو مزيج من صفات الشيطان وصفات الملائكة، فلا هو شيطان بكل ما تحمله الكلمة من معنى الشيطنة ولا هو ملائكي بكل ما تحمله الكلمة من معنى الملائكة.
أصل المادة من تراب
وهذا المزيج بين الترابي والنوراني فيه إعجاز هائل، فهل تتغلب فيه النورانية على الترابية أم العكس وهذا هو الذي أوقع الإنسان في مأزق كبير، بل وفي شر عظيم فهو لا يستطيع أن يكون شيطانًا بالكلية لأصله الترابي، لأنَّه سوف يهدم بنيان حياته ويحكم على نفسه بالفناء، كما حدث مع الجن قبل خلق آدم عليه السلام وفي نفس الوقت يحمل في طياته بذرة الملائكة التي تمنعه من الوقوع في فخ الشيطان وحبائله وأعماله.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر