(35) نهر النيل في… الإسلام
يحتل نبي الله يوسف عليه السلام، مكانة بارزة في الإسلام وفي القرآن الكريم وله سورة كاملة باسمه، تتحدث عنه وعن إخوته وأبيه النبي يعقوب عليه السلام وقصته أحسن القصص وفيها كل العظات والعبر، لأنها تتناول حياته منذ ولادته في فلسطين، ثم محنته مع إخوته وغيرتهم منه، لمكانته عند أبيه لصغر سنه.
ثم محنة إلقاء إخوته له في البئر بعد أن هموا بقتله كي يخلو لهم وجه أبيهم، ثم محنة بيعه عبدًا إلى عزيز مصر بعد مجيئه إليها في عمر الصبي، ثم محنة مراودة زوجة العزيز له في بيتها عن نفسها، ثم محنته مع عزيز مصر وزوجته، وبراءته من المراودة بعد شهادة الطفل الرضيع ببراءته.
ثم محنته مع نسوة المدينة في قصر العزيز، ثم محنة دخوله السجن بأمر عزيز مصر وزوجته، ثم جاء الفرج بعد تفسير الرؤيا لكل من الساقي والخباز في السجن، والتي انتهت بصدق تأويل يوسف عليه السلام ببراءة الساقي وقتل الخباز، ليبدأ من بعدها بتفسير رؤيا الملك، بعدها بدأ رحلة صعوده الأسطورية، والتي انتهت بحكم مصر، بعد أن أوكل إليه ملك مصر تصريف أمور البلاد، باعتباره عزيز مصر والمتحكم الأول في خزائن الأرض.
نبي الله يوسف عليه السلام له مكانة بارزة في الإسلام
اعتلى يوسف عليه السلام عرش مصر، فأصبح عزيز مصر وعاش في قصر العزيز، بمدينة منف بالجيزة وقيل في الشرقية، وبلغت شهرته الآفاق جاءه إخوته في وقت المجاعة التي ضربت العالم، من فلسطين فأعطاهم الحنطة التي تنقذهم من المجاعة، بالرغم من البضاعة المتدنية والرخيصة التي جاءوا بها.
وبعد أن تمكن يوسف عليه السلام من إنقاذ مصر والبلاد المجاورة لها خاصة فلسطين التي يعيش فيها أبوه وإخوته، زاره أبوه يعقوب عليه السلام، وإخوته وعاشوا في مصر وقت وجوده كعزيز مصر وبعد وفاته، فتحقق الحلم الذي رواه لأبيه في طفولته من قبل في فلسطين، ولم يبلغ بعد العاشرة من عمره على أرض مصر وهو في الخمسين من عمره.
قال تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يوسف: 4.
أمر عجيب وفريد
وهذا أمر عجيب وفريد، أن يربط يوسف عليه السلام بين فلسطين ومصر برباط وثيق، فعلى أرض مصر تحقق الحلم، وكان عمر يوسف عليه السلام قد تجاوز الخمسين عام، وجاء أبوه وإخوته وخالته من فلسطين، فسجدوا له في قصره في منف، سجود احترام وتقدير ورفعة شأن وليس سجود عبادة وتقديس.
قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعليمُ الْحَكِيمُ) يوسف: 100.
هذه الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام في فلسطين، ورواها لأبيه يعقوب عليه السلام، ثم تحقيق تأويل هذه الرؤيا على أرض مصر، تؤكد مدى العلاقة الوثيقة بين مصر وفلسطين، ليس على مستوى الدنيا في أبعادها الستة وفي البعد العلمي وحسب باعتبارهما أرض للإسلام، ولكن البعد الديني والبعد الجغرافي والبعد التاريخي والبعد الحضاري والبعد البشري، ومن ثمَّ البعد الأخروي الذي ربط بين إبراهيم وهاجر وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأسباط بني إسرائيل عليهم السلام برباط وثيق.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر