(62) مصر… في الحج
حدث الكثير من اللغط حول قضية الذبح العظيم، مثلما يُثار حول كل القضايا الكبرى في العالم والتي لا تصل إلى مكانة ومنزلة الذبح العظيم الذي تعرض له إسماعيل عليه السلام في مكة المكرمة.
وأثار البعض في الماضي البعيد وفي الحاضر القريب، هذا اللغط في غياب الفهم الحقيقي لواقع الأحداث التي حدثت في مكة المكرمة، أو عن عمد في غياب فقه الواقع، الذي يتحدث عن توالي الأحداث في مكة المكرمة وليس في غيرها من الأماكن، وتأكيد آيات القرآن الكريم، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الواقع وتلك الأحداث المتعلقة بالذبح العظيم.
فحديث الإفك لكل الأقلام المغرضة، كان عن سوء تقدير أو عدم فهم للواقع في عملية الذبح، فتثير من جديد قضية الذبح في القرن الحادي والعشرين، على أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام، ودخلت الإسرائيليات على الخط منذ عهد الإسلام الأول، بما يملكونه من قدرة غير مسبوقة وفريدة على التحريف، فقد حرَّفوا التوراة.
القضايا الكبرى في العالم.. ادعاءات تُشوِّه صورة الإسلام
فتنطق بعض الألسنة التي تعد وتحسب على الإسلام، فتقلب أركان الحج ومناسكه رأسًا على عقب، بالادعاء أن الذبيح هو إسحاق، من أجل تلغيم الحج ومناسكه، بالأقوال الخارجة عن إطار الإسلام الصحيح ومسح كل هذه المناسك أو التشكيك فيها، والتي تؤدي من أكثر من ألف وأربعمائة سنة من عمر الإسلام والتي تؤدى اقتداءً بإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فالكل يضحي كما ضحى إبراهيم عليه السلام، تقربًا إلى الله الذي فدى إسماعيل من الذبح بكبش من الجنة.
ونفاجأ بأقوال ليس لها علاقة بالعقل ولا بالمنطق ولا بالدين، تدّعي كذبًا أن الذبيح هو إسحاق، فتحول الحج وأركانه من مناسك تعبدية خاصة بالمسلمين، إلى إقحام اليهود في مناسك إسلامية دون وجه حق، وتزوير الحقائق التاريخية المؤيدة من قبل القرآن الكريم، وتحويلها إلى واقع على أرض الواقع، والذي يتنافى مع كل ما حدث على أرض مكة المكرمة.
فكان من الواجب على موقع إعجاز الوقوف في وجه هذه الدعاوى التي تشطر الحج ومناساكه نصفين بين المسلمين واليهود في غياب منطق العقل، الذي يحمي النقل ويحافظ عليه من التأويل الخاطيء والباطل ويدافع عنهما بلا إسراف أو تبذير، وبلا تقطير في القول والفعل، إنَّما عرض الحقيقة المجردة من الهوى والتي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام.
فلم يقل التاريخ البعيد، على مدى ثلاثة آلاف سنة، أن اليهود قد ضحوا من أجل فداء إسحاق عليه السلام، ولم يروي لنا التاريخ أن أحدًا من اليهود قد ذبح كبشًا احتفاءً بفداء إسحاق عليه السلام من الذبح، بل ولم يحتفل اليهود على مدار تاريخهم القديم أو الحديث بعيد الأضحى، كي يحتلفوا بنجاة أبيهم ونبيهم إسحاق عليه السلام، فكل هذا لم ولن يحدث لسبب بسيط وهو أن إسحاق عليه السلام وأمه سارة عليها السلام، لم يزورا مكة المكرمة على وجه الإطلاق.
مكة المكرمة منزلًا ومقامًا لإسماعيل
فقد كانت مكة المكرمة، منزلًا ومقامًا لهاجر وإسماعيل عليهما السلام عاشا فيها ودفنا فيها، على عكس إبراهيم وسارة وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، فقد عاشوا في فلسطين ودفنوا فيها ومقابرهم شاهد ودليل على كل ذلك، وكان إبراهيم عليه السلام يتردد على مكة المكرمة، لتنفيذ أوامر الله ثم يعود مسرعًا إلى فلسطين.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر