(34) الإسلام… في ميلاد الرسول
نجد أن هناك مسارات مختلفة للمخلفات في الكون والإنسان من خلال عملية إعادة تدويرها، وإعادتها إلى سيرتها الأولى، قبل أن تكون مخلفات، فتصبح صالحة للقيام بنفس الدور، الذي كانت تقوم به قبل أن تكون مخلفات، وهذا في حد ذاته إعجاز هائل وعظيم، يؤكد قدرة الله.
وإذا كان عدد المجرات المعروفة في الكون، تبلغ حوالي 3 تريليون مجرة، وكل مجرة فيها حوالي تريليون كوكب ونجم، فكم تكون كمية المخلفات الناتجة عنها، والتي يتم تدويرها في الكون، بشكل ذاتي وتلقائي ومبرمج على مستوى الكواكب والنجوم والمجرات، على مدار اللحظة، لا شك أنها هائلة وإلا انهار الكون في لحظات.
وما ينطبق على الكون ينطبق على الإنسان، فإذا كان عدد خلايا الجسم في شخص وزنه 100 كيلو جرام، تبلغ مائة تريليون خلية، فكم تكون كمية المخلفات، التي يتم تدويرها على مستوى المائة تريليون خلية، فآلية عمل الخلية مبرمجة على التخلص من هذه المخلفات، بشكل ذاتي وتلقائي، وإلا مات الإنسان وانقرض في لحظات.
مسارات مختلفة للمخلفات في الكون والإنسان
وإذا تطرقنا إلى حال الإنسان العادي في الحياة، فإنَّه يتغيَّر علميًّا وبشكل كامل، مرة كل 3 شهور، فيصبح إنسان جديد بمواصفاته القديمة، وبناءً على هذا التغيير، يوجد للإنسان 3 نسخ من المخلفات، طبقًا للاستنباط العلمي، تحمل أثره في الحياة، ومن خلال الرقابة الذاتية التي خلقها الله له أو عليه في هذه النسخ الثلاثة.
قال تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ” (يس: 12).
فالنسخة الأولى من جسم الإنسان، تمثل النسخة القديمة الأصلية، والتي يحتفظ بها الإنسان في خلايا الذاكرة الخاصة به، قبل أن يتم تغييرها بنسخة أخرى جديدة، تحل محلها باعتبارها نسخة قديمة، لأنها تحمل في داخلها وفي طياتها، كل أجهزة المراقبة الذاتية لكل أعماله على مدار 3 شهور التي عاشت معه فيها، بمعنى أن الإنسان تؤخذ له نسخة كاملة، قبل أن يتم تغييره بشكل كامل.
أمَّا النسخة الثانية من جسم الإنسان، فهي النسخة الجديدة التي تمثل الإنسان بعد أن تم تغييره، وهذه النسخة تستمر معه لمدة ثلاثة أشهر تالية، يتغير فيها الجسم على مراحل، فكرات الدم البيضاء وخلايا الميلانين تتغير كل أسبوعين، فتأخذ لكل منهما نسخة وخلايا الجلد تتغير كل شهر فتؤخذ لها نسخة وتتغير كل خلاياه، كل ثلاثة أشهر فتؤخذ لها نسخة وهكذا.
نسخ لجسم الإنسان
وأمَّا النسخة الثالثة من جسم الإنسان، فتتحلل وتعود إلى مكوناتها الأولية إلى الأرض، في صورة بروتين ونشويات ودهون وفيتامينات وأملاح معدنية، فتخصب التربة ويذهب الهيدروجين والأكسجين، في دورة الماء في الكون فتنبت الشجر وتضبط الطقس ودرجة حرارة الجو.
وفي هذه المراحل الثلاثة، التي تحمل في طياتها هذه النسخ الثلاثة، تحمل فيها بصمات الشخص، والذي يتم توزيعها داخل الإنسان وفي الكون، وعلى امتداد الكرة الأرضية.
قال تعالى: “هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ علىكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (الجاثية: 29).
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، أن تكون كل مكونات النسخ الثلاثة تحتفظ بكل أحوال الإنسان في الحياة في إطار الإسلام.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر