(3) الإسراء والمعراج… معجزة إلهية
رحلة الإسراء والمعراج تُمثِّل معجزة كبرى وآية عظمى من آيات الله سبحانه وتعالى المنثورة في الكون وخروج غير عادٍ عن مقاييس البشر بمقاييس رب البشر، من حدود السماء الدنيا المحدودة، بما فيها من كون ومجرَّات إلى الملأ الأعلى اللا محدود، والذي يُمثِّل فيه العلم المبهم والغيب المطلق، حجر الزوايا في إدارة دفة الكون ووجود الإنسان، فلا يعرف عنه الإنسان شيء على وجه الإطلاق مهما أوتي من علم لأنه يُمثل بالنسبة له العدم المطلق.
سجَّل القرآن الكريم مسار رحلة الإسراء والمعراج من بدايتها إلى نهايتها في سورتي الإسراء والنجم، فتحدثت سورة الإسراء عن مسار الرحلة الأرضية من مكة إلى بيت المقدس، تأكيدًا لصدق محمد صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى عن هذه المعجزة الكبرى والآية العظمى التي اخترقت كل حواجز الزمان والمكان مصداقًا لقوله تعالى “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء: 1).
رحلة الإسراء والمعراج معجزة كبرى وآية عظمى
فنُسِبَت سورة الإسراء إلى قوة الله سبحانه وتعالى، فالذي يتحكم في مسار هذه الرحلة من بدايتها ونهايتها وخطوط سيرها الإلهي، الله سبحانه وتعالى بقدرته وقوته ونوره بعد تحييد العامل البشري في شخص محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يملك من أمره شيء وهذا ما أكده القرآن الكريم، قال تعالى: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” (النجم: 3 و4).
وأصبحت القوة المتحكمة في تنظيم هذه الرحلة، هي قوة الله سبحانه وتعالى مع تسخير كل الأدوات الموجودة في الكون من الإسراء الأرضي والمعراج في الملأ الأعلى من أجل توفير الظروف الملائمة واللازمة لإطلاع محمد صلى الله عليه وسلم على أسرار وخفايا الملأ الأعلى التي يحتفظ بها الله سبحانه وتعالى لنفسه مع إظهار عظمته في ملكه وملكوته أمام خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم مصداقًا لقوله الله تعالى: “لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا” (الإسراء: 1).
الإسراء والمعراج معجزة حسية خارج مقاييس البشر
فكانت رحلة الإسراء والمعراج معجزة حسية للبشر في شقها الأول في الإسراء الذي يدركه البشر حتى يصدقوا معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبعة، فأراه الله سبحانه وتعالى في الإسراء ما لم يستطع أن يراه ببشريته، فخرق له قانون الزمان بوصوله بيت المقدس في لحظات وخرق له قانون المكان فوصف بيت المقدس لمعارضيه من قريش وصفًا دقيقًا وتحدث عن القافلة التي تدخل مكة مع طلوع الشمس هذه الليلة وصلى بالأنبياء والمرسلين إمامًا ومع ذلك لم تصدقه قريش ولكن أبو بكر الصديق قال “إن كان قال فقد صدق”.
وكان الشق الثاني في المعراج معجزة معنوية لا يدركه البشر إلَّا بقدر تصديقهم لما حدث في الشق المحسوس في الإسراء، وكل هذا في نطاق سبحانه والتي تعني أنها رحلة إلهية بقدرات رب البشر، وقفت خلفها القوة الإلهية في غياب القوة البشرية بمحدوديتها في مثل هذه المواقف والتي تبرز عظمة الخالق سبحانه وتعالى وفي نفس الوقت تؤكد المكانة المرموقة التي حظي بها محمد صلى الله عليه وسلم.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر