(3) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
نجد أن الحديث عن خلق آدم يقتضي بالتبعية الحديث عن الدوائر الثلاثة التي تتحكم في إدارة الكون وتحديد مسار الحياة فيه، والتي من أجلها خلق الله آدم وهذه الدوائر الثلاثة تمثل دوائر محورية، تتحكم في حركة الكون ومسار الإنسان وكل المخلوقات على الأرض، وفي الآخرة وهي متصلة مع بعضها البعض الآخر اتصال وثيق، فلا يمكن فصل دائرة عن الأخرى، مثل اتصال الروح بالجسد، فهي تتحكم في الإنسان وتحدد مصيره في الدنيا والآخرة.
ولهذا كان من الأهمية بمكان الإشارة إلى أهمية هذه الدوائر الثلاثة، حتى نستطيع فهم طبيعة الأساس الذي بنيت عليه هذه العلاقة المتينة، وجعلت منه حجر الزوايا في بقاء الكون، واستمرار الإنسان في الحياة، التي جهزها الله من أجل استبقاء حياة آدم قبل أن يخلقه، فيعيش فيه بأسباب الله الذي خلق له هذا الكون البديع وجهزه للحفاظ على الحياة إلى حين.
ومن ثمَّ فإن معرفة جوهر الصلة وحجم العلاقة التي تربط هذه الدوائر الثلاثة مع بعضهم البعض الآخر، هي التي تعطينا فكرة واضحة وجلية عن طبيعة خلق آدم من تراب، ومدى ارتباطه بطبيعة الأرض التي خلق منها ويعيش عليها وطبيعة الكون الذي يعيش تحته فيحميه ويحافظ عليه إلى حين.
في وجود المحاولات العلمية الحثيثة التي تبحث عن وجود قدر من المعرفة حول خلق آدم من تراب وعلاقته بخلق الكون ووجود الإنسان في الحياة، وعن مدى فهم تلك العلاقة العضوية ونهايتها المصيرية والتي تربط بين وجود الكون ووجود الإنسان، فلا وجود للكون دون الإنسان ولا وجود للإنسان دون الكون وإلى أي درجة يريط بينهما هذا التناغم وإلى أي حد يوجد بينهما هذا التوافق وإلى أي مدى يعتمد وجود كل منهما على الآخر وكأنهما خلقا من كيان ومكون واحد، فكان هذا كون وذلك إنسان.
الدوائر الثلاثة التي تتحكم في مسار الحياة
وهذا فيه إعجاز هائل، في كون الكون والإنسان يمثلان وحدة واحدة، متصلة لا منفصلة بالرغم من الادعاء بغير ذلك، ومن أجلهما خلقت هذه الدوائر الثلاثة، فتدير شئون حياة الكون وحياة الإنسان وتعمل جاهدة على إسعاد كلاهما في الدنيا بأسباب الله سبحانه وتعالى، وتوضح لنا أهمية الطريق الذي يجب عليهما أن يسلكاه، ويخوضاه معًا ويسيران فيه دون صدام أو اصطدام في حياة مليئة بكل المؤامرت والمغامرات الطيبة والشريرة من قبل البشر وسائر المخلوقات حتى لا يفاجأ الجميع الكون والإنسان بمواجهة مرعبة ونهاية مفجعة بينهما والقادمة على موعد محدد ومقدر سلفًا، دون أن يدرك أحد من البشر حجم المأساة والعواقب المترتبة على ذلك وساعتها سيتحمل مسئوليتها الإنسان المخير لا الكون المسير.
وهذا فيه إعجاز هائل ولفت نظر كبير وعظيم، في أن يتخلى الكون عن مسئولياته في آخر الزمان، ويسرع الإنسان من سرعة انهيار الكون، بسبب العشوائية والفوضى التي يتميز بها الإنسان في غياب المعيار، الذي جعله مخيرًا فلم يكن علي مستوى اختياره.
ولكن الكون المسير كان على مستوى قراره، فصدق الكون وكذب الإنسان بعد أن خانته ذاكرته وسوء اختياره بالبعد عن الله الذي منحه هذا الاختيار، فخان تفسه والكون الذي أعد من أجل حمايته وبقاءه فكان سببًا في انهيار الكون، مع أن من أبسط واجباته الحفاظ عليه حتى يحافظ على نفسه وحياته.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر