(23) خلق آدم من تراب… معجزة إلهية
الربط بين خلق آدم وعيسى عليهما السلام، يؤكد حقيقة أن خلق السماوات والأرض قد تم أولًا، ثم كان الأمر للسماوات والأرض بكن فيكون، فالخلق أولًا ثمَّ كن فيكون ثانيًّا، لأنه إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون، معناه أنه إذا حكم وقدر وأمر الشيء المخلوق عنده بعلمه في علم الغيب عند الله سبحانه، فعندما يخاطبه ويتحدث معه ويقول له، فإنه يتحدث عن شيء موجود ومخلوق عنده وفي علمه، ولكن لم يصل إلى علم البشر، ساعتها يظهره ويبديه لخلقه بكن فيكون وهذا معناه أن الخلق تم قبل الأمر بكن فيكون.
ومن هذا المنطلق نجد أن ما ينطبق على خلق آدم عليه السلام بكن فيكون، ينطبق على خلق السماوات والأرض بكن فيكون، فخلقهما عنده في ستة أيام ثم أوجدهما بعد الخلق بكن فيكون، قال تعالى: “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (البقرة: 117).
الربط بين خلق آدم وعيسى
وكما خلق الله السماوات والأرض ثم أوجدهما بكن فيكون في الدنيا، فإنَّه خلق السماوات والأرض في الآخرة عنده وهي منتظرة للأمر بكن فيكون يوم القيامة، قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” (الأنعام: 73).
وهذا يؤكد أن الله، قد خلق كل شيء دفعة واحدة مثل خلق آدم وذريته ثم يكشف الغطاء تباعًا عن أبناء آدم، ويخرجهم إلى العلن بعد أن كانوا في علم الغيب بكن فيكون حسب الزمان والمكان الذي يعيشون فيه، قال تعالى: “إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (النحل: 40).
وما ينطبق على خلق الكون وخلق آدم في الدنيا، ينطبق على كل مشاهد يوم القيامة في الآخرة، فكل شيء مخلوق ومعد وجاهز في علم الغيب ولكن يكشف عنه النقاب تباعًا في أحداث يوم القيامة بكن فيكون، قال تعالى: “هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (غافر: 6).
وهذا فيه إعجاز هائل وكبير وحل لغز خلق الكون وما فيه من أحداث جسام حتى يومنا هذا، وخلق آدم عليه السلام وذريته حتى يومنا هذا، فكل شيء خلق بأمر الله سبحانه وتعالى وقدرته وحكمه ثم ينتظر هذا الخلق، الأمر بعودته إلى العلن بكن فيكون.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر