(9) مصر… في الحج
كان نهر النيل ذا مكانة مرموقة ومنزلة عالية وقيمة غالية ومقام سامٍ عند الفراعنة، فجلب لهم الخير الوفير وعاشوا في جنباته في رفاهية من العيش منقطعة النظير، حصلوا عليها من رب العالمين، فملكوا البساتين والحدائق الغناء وعيون وفروع أنهار نهر النيل السبعة، وعاشوا حياة الرفاهية في المساكن الأنيقة الحسنة والجميلة، منذ خمسة آلاف سنة.
ومن ضمن هذه الرفاهية البالغة، عاشوا يتمتعون بكل شيء فيه متع الدنيا بوفرته، ويتلذذون بأكل الطعام والشراب واللباس والعيشة الفخمة الهنية الطيبة، والرفاهية الزائدة عن الحد، الذي جعل من ضفتي النهر الممتدة من أسوان إلى البحر المتوسط، ممتلئة عن آخرها بالبساتين والحدائق الغناء، قال تعالى: ” كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ” (الدخان: 25- 27).
ولم يكن الفراعنة يتمتعون بماء النيل وجمال بساتينه وأشجاره وخيره الوفير، بعد أن استخدموا كل وسائل التقنية في تطويره والحفاظ عليه وتنميته وتجميله، فكان نهر النيل بالنسبة للفراعنة هو الحياة بروحها وجسدها، فكان له القسط الأكبر من الرعاية والحفظ والعناية.
بل وبالزينة والذهب الذين كان وما زال يملأن أرض مصر عن آخرها، فكانت خزائن الفراعنة مليئة بالذهب وكان الفرعوني الذي يموت يدفن معه ذهبه، ولا يتركه لأحد من أبنائه، لأن لكل فرد من أفراد الأسرة ذهبه الخاص به، فحصدوا الذهب والبلاتين في مناجم الجبال وجمعوه من نهر النيل، والقادم مع سقوط الأمطار على قمم الجبال فتجرفها في حوض النيل ومعها الذهب والبلاتين وما زال حتى الآن، وكانوا يصطادون الذهب من نهر النيل بفرو الخروف، قال تعالى: “فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ” (الشعراء: 57- 58).
مكانة مرموقة ومنزلة عالية
وكانت أرض مصر عامرة أيام الفراعنة بكل أنواع القناطر ومليئة بكل أنواع الجسور، بالعلم والخبرة والفن والجمال، وليس بالفهلوة والجهل، ولم تكن مصر على هذا الحال الذي نراه جميعًا اليوم، بالرغم من ادعاء البعض الوطنية والتدين المغشوش، حتى أن الماء كان يجري من تحت منازلهم ويتدفق داخل حدائقهم، فيحبسونه كيف شاءوا ويطلقونه حيث أرادوا، فماذا يقول الفراعنة عن مصر إذا رأوا حالها الآن.
وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، أن تتحوَّل رفاهية المصريين في عهد الفراعنة، إلى آيات يذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، عظة وعبرة لمن كان عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر