مقالات

(78) مصر… في الحج

رمضان شهر الإسلام المعظم نزل فيه القرآن الكريم، فأصبح أفضل الشهور ونزل بمكة المكرمة، فأصبحت أم القرى ونزل بجوار الكعبة المشرفة، فكانت أول بيت وضع للناس، ونزل بواسطة جبريل عليه السلام، فحمل لقب أفضل ملك ونزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبح سيد الخلق ونزل في ليلة القدر فكانت خير من ألف شهر.

ونزل في أمة الإسلام، فأصبحت خير أمة أخرجت للناس، فماذا لو دارات عليه حياتنا وسرنا على منهجه سنصبح بالتأكيد سادة الأمم في الدنيا وقادة الأمم في الآخرة، ولكن هناك من لا يريد ذلك لهذه الأمة الفنية.

 ومن هذا المنطلق يُمثل رمضان، القائد والزعيم والملهم في الحج، ففيه نزل القرآن الكريم، على سيد الأنام، محمد صلى الله عليه وسلم، فكان بمثابة النور والنبراس الذي أضاء كل أشهر العام وأمدها بالخير والبركة، وجعل لها منزلة خاصة، فكانت أشهر الحج من ضمن هذه الشهور، في شوال وذي القعدة وذي الحجة، والتي أخذت جزء من النور الذي قسم على بقية الأشهر.

العقيدة والعبادة والمعلاملات التي تدير حياة المسلم

ومن رمضان، كانت العقيدة والعبادة والمعاملات، التي تدير حياة المسلم من الألف إلى الياء، فكانت فريضة الحج جزء من فرائض الإسلام، التي لامست العقيدة والعبادة والمعاملات، وأشار إليها القرآن الكريم، في حديثه عن مكة المكرمة والكعبة المشرفة وبيت الله الحرام، والسعي بين الصفا والمروة والشرب من ماء زمزم، والصلاة في مقام إبراهيم وحجر إسماعيل عليهما السلام والذبح العظيم ورمي الجمرات، وأكدته أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

فتميَّز رمضان بنزول القرآن الكريم، وفيه كل أقضية الحياة وأعطى جزء من هذا الفضل إلى الحج، فكانت ليلة القدر مجهولة في رمضان، بكل ما لها من مكانة ومنزلة وكان الوقوف بعرفه معلوم، وليلة القدر تتنزل فيها الملائكة والروح فيها بإذن ربها، والله سبحانه وتعالى  ينزل يوم عرفه وهذا الفضل الكبير منحه الله للحج من رمضان.

وإذا كان الحج له منزلة كبيرة ومكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، لأنَّه فيه ألزم الإنسان  المسلم نفسه بطاعة الله عن رضا وطيب خاطر، فكانت فريضة الحج وكان الوقوف بعرفات يوم الحج الأكبر وكانت فيه أشهر الحج، وكان للعشرة الأوائل من ذي الحجة مكانة عالية، ومنزلة خاصة ومرموقة عند الله لأن فيهم تبدأ مناسك الحج التي تكتمل بيوم الحج الأكبر والوقوف في عرفه، قال تعالى: “وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ” (الفجر: 1- 2).

ولكن إذا تفرد ذي الحج بفريضة الحج فقد تفرد رمضان بنزول القرآن الكريم وما فيه من عقيدة وعبادة ومعاملة، فرمضان هو الأصل وغيره من الشهور هو الاستثناء، ولكن تجليات الله في الحج لا تغني عن إنزال الله القرآن الكريم، الذي كتبه بنفسه وقرأه بنفسه وحفظه بنفسه، في أحرف وكلمات وآيات تحمل في طياتها الصيانة الذاتية، على غيرها من الكلمات مثل الحج.

ولذلك كان القرآن الكريم، كلام الله، نزل بصيانته الذاتية من عند الله، أمَّا المخلوقات الأخرى، في الكون مثل الكواكب والنجوم والمجرات، أو على مستوى الإنسان في الخلايا والأنسجة والأعضاء، تقوم بالصيانة الذاتية لنفسها على مدار اللحظة.

رمضان شهر الإسلام المعظم

وهو ما جعل شهر رمضان، سيد الشهور ويتقدم على كل الشهور، حتى ولو كان للحج هذه المكانة عند الله وعند رسوله وعند المسلمين.

وإذا كان الحج يؤكد عالمية الإسلام، وأنَّه دين العالم الذي رضيه الله لعباده وفيه يتساوى الجميع أمام الله، وفيه الكثير من الدروس والعبر التي يتعلمها المسلم وهو في طريقه إلى الحج، فإن رمضان هو الذي صنع له هذه العالمية وأعطاه هذه الشرعية، من خلال آيات القرآن الكريم، التي تحدثت عن أركان الحج وفروضه، والسنة النبوية التي أكدتها على أرض الواقع قولًا وفعلًا وتقريرًا.

وهذا فيه إعجاز هائل وعظيم، يؤكد مكانة رمضان في الحج ومنزلة الحج في رمضان، الذي نزل فيه القرآن الكريم، كلام الله، وفيه الصيانة الذاتية في أحرفه وكلماته وآياته، على غيره من المخلوقات التي تقوم بالصيانة الذاتية لنفسها على مدار اللحظة في الكواكب والنجوم والمجرات وفي الخلايا والأنسجة والأعضاء.

 لذلك كان القرآن الكريم كلام الله والكون والإنسان خلق الله، وهناك فرق كبير بين كلام الله وخلق الله.

الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »