خلق الجن
يمثل الجن أحد أهم المخلوقات، التي خلقت من الماء، بعد خلق الملائكة وقبل خلق الإنسان، فإذا كانت الملائكة قد خلقت من نور، فإن الإنسان خلق من التقاء التراب مع النور، وخلق الجن من التقاء النار مع النور، وفي هذه الحالات الثلاثة للمخلوقات، نجد أن الملائكة ليست لها إختيار بل هي مسيرة، علي غير التخييرفي خلق الجن وخلق الإنسان .
وإذا كانت الملائكة قد خلقت من نورانية الماء، فإن الإنسان قد خلق من هذه النورانية، والذي يعتبر ترابي نوراني، بينما الجن خلق من نيرانية النور، فأصبح نيراني نوراني، وهذا ما جعل خلق كل من الإنس والجن يختلفان عن خلق الملائكة النورانية.
وإذا كان الشيطان قد خلق من قبس نيراني من قبس نوراني، فإن طغيان نورانية الجن علي نيرانيته، بالطاعة والعبادة لله سبحانه وتعالي، تجعله طاووس الملائكة كما حدث مع ابليس، وإذا خرج عن إطار هذه الطاعة لله سبحانه وتعالي، فقد نورانيته، وعاد الي نيرانيته، فأصبح شيطان مطرود من رحمة ربه كما حدث مع ابليس.
خلق الجن
وهذا فيه إعجاز عظيم، وقدرة هائلة علي الخلق والنشأن والتصوير، لإن الحاجز بين كل من المستوي النوراني والمستوي النيراني للشيطان، هو الذي اعطاه هذه المنزلة العالية عند الله سبحانه وتعالي، وهو الذي مكنه من التقدم علي الملائكة في الطاعة، فاستعلاء النورانية علي النيرانية في حالة ابليس، مكنته من أن يكون طاووس الملائكة، وعندما فقد النورانية بالمعصية عاد الي نيرانيته، فأصبح شيطان مطرود من رحمة الله سبحانه وتعالي.
وكأن النورانية التي كان عليها الشيطان هي التي رفعته الي اعلي عليين، وعندما فقد هذه النورانية بالمعصية، عاد ادراجه الي اسفل سافلين، وهذا نموذج لمن يطيع الله سبحانه وتعالي ويعصاه، في شخص الشيطان.
وإذا الجن مخلوقات خلقها الله سبحانه وتعالى، من النار قبل خلق آدم، فقال تعالى: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” (الأعراف/ 12).
وخلق من نار السموم كما قال تعالى: “وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ” (الحجر/ 27)، ومن لهب النار الصافي مصداقًا لقوله تعالى: “وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ” (الرحمن/ 15).
وإذا كانت الجن مخلوقات غير مرئية للبشر، بعكس الإنسان المرئي لنفسه وغيره، فهم يتشكلون بأشكال مختلفة ولا يراهم أحد، من البشر على هيئتهم الحقيقية الأصلية، التي خلقوا عليها لقول الله تعالى، في شأن إبليس و ذريته: “يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ” (الأعراف/ 27).
والجن لهم ذرية وخلفاء يخلفونهم، مثل البشر، وهم مخيرون في الطاعة والمعصية، كما قال الله تعالى: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً” (الكهف/ 50).
ومن الجن من هم رجال، وبالتالي منهم نساء، فهم يتناسلون، كما قال تعالى: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً” (الجن/ 6)، كما أن الجن مثل الإنس يأكلون ويشربون ويتوالدون و يتناكحون، و فيهم المؤمن ومنهم الكافر، و فيهم التقي الصالح، و فيهم العاصي الفاسق، قال تعالى: “وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً” (الجن/ 11).
ويصير على الجن ما يصير علي الإنس من البشر، من موت وبعث وحشر وحساب، لمن أُعطى منهم حرية الاختيار، قال تعالي : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف 179
وإبليس هو زعيم الجن، وقائدهم، تحدي أدم عليه السلام بشكل صارخ، في حضرة الله سبحانه وتعالي، وعلي مرأي ومسمع من الملائكة، بعد أن تعالي وأستكبر علي أدم، ورفض الإمتثال لأمر الله سبحانه وتعالي، بالسجود له، فلعنه وطرده من رحمته، وبناء عليه تعهد إبليس بإضلال أدم عليه السلام وذريته من بعده، وإفسادهم، إلي قيام الساعة، وأن يكون له نصيب مفروض منهم يتولونه، ويعاون إبليس ذريته من شياطين الجن، كما قال تعالى : ( لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ) النساء118
وهذا فيه إعجاز عظيم، لحماية مسيرة الإنسان في الحياة، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، حيث اكد القرءان الكريم، علي أن الشيطان سيتمكن، من إضلال الكثير من البشر، وسيعمل على إفساد حياتهم، بل وسيتمكن من تحويل الملايين منهم، إلى عملاء وخونة للشياطين، بل وشياطين في صورة بشر ومردة أكثر خطورة على البشر من مردة الجن والجن الأزرق، وهؤلاء خدام الشياطين من البشر، يعاونون الشياطين على إضلال البشر، وهم الذين تمكن ابليس واعوانه من غوايتهم واضلالهم، فيعتبرون أشد خطر علي البشر، واكثر قسوة عليهم، من ظلم وإضلال شياطين الجن لهم.
كان من الضروري، توجيه النصح والإرشاد، إلى آدم وذريته، من قبل الله سبحانه وتعالى، حتى لا يقعوا في حبائل الشيطان فيتمكن من غوايتهم وإضلالهم، كما حدث مع الشيطان نفسه، الذي طرد من رحمة ربه، لعصيانه أوامره، وعدم الإنجرار والوقوع في حبائل الشيطان، وهذا يؤكد بما لايدع مجالًا للشك، حب الله سبحانه وتعالى لعباده من البشر، الطائعين منهم والعاصين.
وهذا فيه إعجاز عظيم، فمن ناحية فيه تأكيد الخطر الذي يمثله الشيطان علي حاضر ومستقبل الإنسان، بعد أن طرد من رحمة ربه لعصيانه لأوامره، وفي نفس الوقت فيه تحصين من الله سبحانه وتعالى لكل من آدم وذريته من بعده، حتى لا يقعوا في فخ الشيطان والانجرار وراءه، فيفسد عليهم حياة الطاعة لله سبحانه وتعالى، كما أفسد الشيطان على نفسه.
ومن ناحية أخري يظهر للبشر، عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فالبرغم من وجود الجن والشياطين في كل مكان موجود فيه الإنسان، إلَّا أنه لا يضر الإنسان في شئ، وفي نفس الوقت يحدث له مثل ما يحدث للإنسان، ومع ذلك لانراه في حياتنا.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر