(6) الكلمة الفصل… في جمع القرآن الكريم
كان الفهم ببساطة عن جمع القرآن الكريم، في أن القرآن الكريم، كُتب كتابًا في الملأ الأعلى، ثم نزل كتابًا مفرقًا، ثم أُعيد جمع الكتاب على نسق الكتاب، الذي كتب في الملأ الأعلى، فلم يناله تغيير أو تبديل في حرف مكان حرف آخر، ولا تبديل كلمة مكان كلمة أخرى، ولا تبديل آية مكان آية أخرى، ولا تبديل سورة مكان سورة أخري.
إنما كان كل شيء، في مكانه، في المبنى والمعنى، بشكل علمي وتقني وإلهي، على مستوى الحرف والكلمة والآية والسورة والكتاب، حتى يعلم الناس، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، أن القرآن الكريم، الذي بين أيدينا الأن، كتاب الله، كتبه الله على عينه، وجمعه الله سبحانه وتعالى على عينه، وقرأه بنفسه علي عينه، وأنزله على نبيه علي عينه، رحمة بخلقه، وحفاظًا لهم من الدنيا وما فيها، وصمام أمان لهم في الدارين ؛ الدنيا والآخرة.
فكان بمثابة البلسم الشافي، و”الفاكسين” الواقي، الذي يحافظ على النفس ويحميها، من شتى الأمراض المعدية وغير المعدية، مادية كانت أو معنوية، فهو غذاء للروح والجسد، لا يقوي المناعة الفاعلة المكتسبة تجاه كل الأمراض المادية وحسب، والتي تحدث بشكل مؤقت، كما يفعل اللقاح و”الفاكسين”، وإنما حماية ووقاية دائمة وشاملة وكاملة ومستمرة، بشكل دائم ومتواصل، من كل الأخطار، في الدنيا والآخرة.
جمع الكتاب.. علاج شتى الأمراض
فيعالج به شتى الأمراض، التي تطال النفس البشرية، ويشفي به كل ما في القلوب والصدور، من الأدواء، ومن كل سوء، ولما لا فالله سبحانه وتعالى، هو الذي خلق الإنسان، من تراب، ونفخ فيه من روحه، فأصبح بشرًا سويًّا، يحتاج إلى المنهج النوراني للروح، في إدارة شئون حياته، كما يحتاج إلى المنهج المادي في الهواء والماء والغذاء لإطعام نفسه، فلا يمكن أن يستغنى عن منهج الهداية في القرآن الكريم الذي يمثل غذاء للروح، كما لا يمكن أن يستغنى عن الهواء والماء والغذاء المادي لجسده.
فكان نزول القرآن الكريم، لازمًا وضروريًّا،للحفاظ على حياة الكون، وما فيه من مخلوقات، والحفاظ علي أمنه المادي والنوراني، بشكل عام، والبشر بشكل خاص ؛ التي خلقت بشكل علمي، امتثالًا لأمر الله وإستسلامًا لإرادته والخضوع له، في إطار الإسلام.
واقع الكون العلمي
فحوّل نزول القرآن الكريم، واقع الكون العلمي الموجود في كل ركن من أركانه، والذي بني عليه بشكل تقني، من خلال الإسلام في إطار العلم، إلى واقع عملي على الأرض، حتى يحدث تجانس بين الكون والإنسان، في الإطار المادي والإطار النوراني، الذي أكده نزول القرآن الكريم.
وكان نزول القرآن بمعناه النوراني، أثرًا في الروح النورانية للإنسان، فإذا التقى النوران ؛ نور القرآن الكريم، والهداية في المنهج النوراني، ونور روح الإنسان في روحه، دخل العالم كله الإسلام، بفعل قوة الدفع في المنهج النوري للقرآن الكريم، وقوة الجذب في الروح الإنسانية، مصداقًا لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الشورى 52.
فالحديث المختصر، عن الكلمة الفصل في جمع القرآن الكريم، يعتمد بشكل كامل، على القرآن الكريم، في أحرفه، وفي كلماته وفي آياته، وفي سوره، في إشارة إلى المراحل السبعة التي مر بها جمع القرآن الكريم، والتي تنقسم إلى قسمين ؛ القسم الأول في الجمع الأصلي للقرآن الكريم بمستواه السماوي، ومراحله الخمسة النورانية، والقسم الثاني في إعادة جمع القرآن الكريم، بمستواه الأرضي في المرحلة السادسة والمرحلة السابعة، بعد نزوله مفرقًا، والذي كان على نسق جمع القرآن الكريم بمستواه السماوي.
الدكتور عبدالخالق حسن يونس، أستاذ الجلدية والتناسلية والذكورة بكلية الطب بجامعة الأزهر